بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه اجمعين يتضمن هذا المجلد نتائج المطالعات في الكتب للانتفاع بها ومن يشاء من عباد الله
قاعدة الاختلاف كما اوردها ابن تيمية في كتاب الاستقامةص -143- التفرق والإختلاف لابد من وقوعهما في الأمة
وهذا المعنى محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه، يشير إلى أن التفرقة، والإختلاف، لا بد من قوعهما في الأمة، وكان يحذر أمته، لينجو منه من شاء الله له السلامة، كما روى النزال بن سيرة، " عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رجلاً قرأ آية سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فأخذت بيده، فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: "كلاكما محسن، ولا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا " رواه مسلم.
أحاديث في النهي عن الإختلاف
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإختلاف الذي فيه جحد كل واحد من المختلفين ما مع الآخر من الحق، لأن كلا القارئين كان محسناً فيما قرأه،
ص -144- وعلل ذلك: بأن من كان قبلنا اختلفوا فهلكوا.
ولهذا قال حذيفة لعثمان: "أدرك هذه الأمة، لا تختلف في الكتاب كما اختلف فيه الأمم قبلهم" لما رأى أهل الشام والعراق، يختلفون في حروف القرآن، الإختلاف الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه
وسلم.
ص -145- فأفاد ذلك شيئين:-
أحدهما: تحريم الإختلاف في مثل هذا.
والثاني: الإعتبار بمن كان قبلنا، والحذر من مشابهتهم.
أكثر الإختلاف بين الأمة يكون فيه كل واحد من المختلفين مصيباً فيما يثبته، مخطئاً في نفي ما عليه خصمه
واعلم أن أكثر الإختلاف بين الأمة، الذي يورث الأهواء، تجد من هذا الضرب، وهو: أن يكون كل واحد من المختلفين مصيباً فيما يثبته، أو في بعضه، مخطئاً في نفي ما عليه الآخر، كما أن القارئين كل منهما كان مصيباً في القراءة بالحرف الذي علمه، مخطئاً في نفي حرف غيره، فإن أكثر الجهل إنما يقع في النفي الذي هو الجحود والتكذيب، لا في الإثبات، لأن إحاطة الإنسان بما يثبته أيسر من إحاطته بما ينفيه، ولهذا نهيت هذه الأمة أن تضرب آيات الله بعضها ببعض، لأن مضمون الضرب: الإيمان بإحدى الآيتين، والكفر بالأخرى - إذا اعتقد أن بينهما تضاداً - إذ الضدان لا يجتمعان.
الإختلاف في الكتاب سبب هلاك الأمم السابقة
ومثل ذلك: ما رواه مسلم - أيضاً - " عن عبد الله بن رباح الأنصاري: أن عبد الله بن عمرو قال: هجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعرف في وجهه
ص -146- الغضب، فقال: إنما هلك من كان قبلكم من الأمم باختلافهم في الكتاب ".
فعلل غضبه صلى الله عليه وسلم، بأن الإختلاف في الكتاب سبب هلاك من كان قبلنا، وذلك يوجب مجانبة طريقهم في هذا عيناً، وفي غيره نوعاً.
الإختلاف الذي ذكره الله في القرآن قسمان:- أحدهما: ما يذم فيه كلا الطائفتين المتنازعتين
والإختلاف على ما ذكره الله في القرآن قسمان:-
أحدهما: يذم الطائفتين جميعاً، كما في قوله: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}. فجعل أهل الرحمة مستثنين من الإختلاف، وكذلك قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}. وكذلك قوله: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ}.
وقوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}.