فقير الاسكندرية Admin
عدد الرسائل : 310 تاريخ التسجيل : 02/09/2008
| موضوع: الحب عند سيدى أبى الحسن الشاذلي الأربعاء نوفمبر 09, 2011 5:28 pm | |
| . الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الرحيم الودود والصلاة والسلام على صاحب اللواء المعقود والكرم والجود وعلى آله وصحبه ما هب نسيم وصل بعد صدود أما بعد... سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ثم أما يعد... فهذه نسمات حب هبت من عبير سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه ننقلها لكم على عدة مشاركات سائلين الله أن ينفعنا بها ويجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" [فصلت: 33]
الحب عند سيدى أبى الحسن الشاذلى رضى الله عنه طريق المحبة: ذكر ساداتنا ومنهم سيدى سلامة الراضى أن طريق سيدى أبى الحسن الشاذلى توصف بطريق المحبة فى مقابلة طريق المجاهدة. ولسيدى أبى الحسن كلام عالٍ فى المحبة، وكذلك كان حاله مع أستاذه سيدى عبد السلام بن بشيش فإنه لما صعد إليه اغتسل من علمه وعمله وصعد إليه خالياً. وعن المحبة يقول سيدى أبو الحسن الشاذلى: "سألت أستاذى رحمه الله –يعنى سيدى عبد السلام بن بشيش- عن ورد المحققين، فقال: عليك بإسقاط الهوى ومحبة المولى. آية المحبة ألا يشتغل محب بغير محبوبه".
ومما قاله له أستاذه سيدى عبد السلام بن بشيش فى إحدى الرؤى: "واعبد الله على القرب الأعظم تحظ بالمحبة والاصطفائية والتخصيص والتولية من الله "وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ" ".
وقال سيدى أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه أيضاُ حاكياً عن أستاذه رحمه الله (يعنى سيدى القطب الشهيد عبد السلام ابن بشيش رضى الله عنه): "الزم الطهارة من الشرك، كلما أحدثت تطهرت، لا تشرك بالله شيئاً، ومن دنس حب الدنيا كلما مِلت إلى شهوة أصلحتَ بالتوبة ما أفسدتَ بالهوى أو كدت، وعليك بمحبة الله تعالى على التوقير والنزاهة، وأدمن الشرب بكأسها مع السكر والصحو، كلما أفقت أو تيقظت شربت حتى يكون سكرك وصحوك به، حتى تغيب بجماله عن المحبة وعن الشراب والشرب والكأس بما يبدو لك من نور جماله وقُدس كمال جلاله. ولعلى أحدث من لا يعرف المحبة والشراب، ولا الشرب ولا الكأس ولا السكر ولا الصحو." قال له القائل: أجل وكم من غريق فى الشئ لا يعرف بغرقه، فعرفنى ونبهنى لما أجهل، أو لما من به علىَّ وأنا عنه غافل. قال له: "نعم، المحبة آخذة من الله قلب من أحب بما يكشف له من نور جماله وقدس كمال جلاله، وشراب المحبة مزج الأوصاف بالأوصاف، والأخلاق بالأخلاق، والأفعال بالأفعال، والأنوار بالأنوار والأسماء بالأسماء والنعوت بالنعوت ويتسع فيه النظر لمن شاء الله عز وجل. والشرب: سقيا القلب والأوصال والعروق من هذا الشراب، حتى تسكر. ويكون الشرب بالتدريج بعد التذويب والتهذيب، فيُسقى كلٌ على قدره، فمنهم من يسقى بغير واسطة، والله سبحانه يتولى ذلك منه له. ومنهم من يسقى من جهة الوسائط بالوسائط كالملائكة والعلماء والأكابر من المقربين. فمنهم من يسكر بشهود الكأس ولم يذق بعد شيئاً، فما ظنك بعد بالذوق، وبعد بالشرب، وبعد بالرى، وبعد بالسكر بالمشروب. ثم الصحو بعد ذلك على مقادير شتى كما أن السكر أيضاً كذلك. والكأس: معرفة الحق، يتعرف بها من ذلك الشراب الطهور المحض الصافى لمن شاء من عباده المخصوصين من خلقه، فتارة يشهد الشارب تلك الكأس صورة، وتارة يشهدها معنوية، وتارة يشهدها علمية، فالصورة حظ الأبدان والأنفس، والمعنوية حظ القلوب والعقول، والعلمية حظ الأرواح والأسرار. فياله من شراب ما أعذبه! فطوبى لمن شرب منه وداوم، ولم يقطع عنه، فنسأل الله من فضله، (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم. يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم). وقد يجتمع جماعة من المحبين فيسقون من كأس واحدة، وقد يسقون من كؤوسٍ كثيرة، وقد يسقى الواحد بكأس وبكؤوس، وقد تختلف الأشربة حسب عدد الكؤوس، وقد يختلف الشرب من كأسٍ واحدة، وإن شرب منه الجم الغفير من الأحبة.
سر المحبة: ويقول سيدى أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه: المحبة سرٌ فى القلب من المحبوب، إذا ثبت قطعك عن كل مصحوب. ويقول: حرام عليك أن تتصل بالمحبوب، ويبقى لك فى العالم مصحوب. ويقول: إذا منعك ما تحب، وردك إلى ما يحب فهى علامة محبته لك. ويقول: المحبة أصل فى الإفهام فمن أحب الله فهم عنه كل شئ. وقال رضى الله عنه: خصلتان تسهلان الطريق إلى الله تعالى: المعرفة والمحبة "حبك للشئ يعمى ويصم". وقال: الحب الصافى على مبانٍ أربعة: الإيمان والتوحيد وصدق النية وعلو الهمة. وقال: المحبة مع الله برفض الشهوات والمشيئات، ولن يصل العبد إلى الله وقد بقى معه شهوة من شهواته ولا مشيئة من مشيئاته. وقال رضى الله عنه: السكينة وجود الحق بلا سبب، ورجوع إلى الحق بغير أرب اللهم إلا لاقتضاء العبودية، فحينئذ يكون حظ النفس الخدمة وحظ القلب المعرفة وحظ العقل المكاشفة وحظ الروح المحبة. وقال يحكى عن أستاذه رضى الله عنهما: أربعة من كن فيه احتاج الخلق إليه وهو غنى عن كل شئ: المحبة لله تعالى والغنى بالله والصدق واليقين. الصدق فى العبودية واليقين بأحكام الربوبية، ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون. وقال رضى الله عنه: وإن أردت النيابة عنك او منك فاعبد الله على المحبة لا على المتاجرة، وعلى المعرفة بالتعظيم والصيانة. وقال رضى الله عنه: المعرفة والمحبة والمواجيد الحقيقية أذهبت عنك الأعراض وعلل الأمراض. وقال رضى الله عنه: من اتقى الشرك فى التوحيد والمحبة فى أول خطواته عزم الله له بالمدد فى أواخرما مر به ثم لا يحجب عن الله ولا يدخل عليه الخلل فى عزائمه، ومن أبطأ به الأمر فى أنفس الخطرات وأخذ منه الميل إلى أشخاص الشهوات فطاعة المدد إلى أوقات الفترات. هذا بيان من الله لأهل التيقظ من الغفلات، قال الله تعالى: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) فاتق الله فى الشرك فى التوحيد ولا تتفرق عنه بنقصٍ ولا مزيد، وإياك والشرك فى المحبة بالميل إلى الشهوات، أى شهوة كانت، ومن كان عبد الله خائف وجلا مشفقاً من الله فى نعمائه كان فى أمن من الله فيما يرد عليه من عظيم بلائه، ودليله: من كان له فى الرخاء كان له فى الشدة- الحديث.
وللحديث بقية وصلى الله على خير البرية وعلى آله وصحبه صلاةً زكية والحمد لله بكرة وعشية. | |
|
فقير الاسكندرية Admin
عدد الرسائل : 310 تاريخ التسجيل : 02/09/2008
| موضوع: رد: الحب عند سيدى أبى الحسن الشاذلي الجمعة نوفمبر 11, 2011 3:42 pm | |
| .
الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله
الحمد لله القائل: "يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ" والصلاة والسلام على من قيل له قل فقال: "قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِين" وآله الداخلين في قوله "رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" وصحبه ومن تبعهم الذين قال الله عنهم: "وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" أما بعد... سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ثم أما بعد... فقد شرفنا مروركم سادتي أهل المحبة زادكم الله حباً وقرباً وأعطاكم مثل ما سألتم وتسألون للفقير وزادكم الله من فضله. ونستأنف ما بدأناه عن المحبة عند سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه:
المحبة أخذة من الله: وسئل سيدى أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه عن المحبة فقال: "المحبة أخذة من الله لقلب عبده من كل شئ سواه، فترى النفس مائلة لطاعته، والعقل متحصناً بمعرفته، والروح مأخوذة فى حضرته، والسر مغموراً فى مشاهدته، والعبد يستزيد فيزاد، ويفاتح بما هو أعذبُ من لذيذ مناجاته، فيُكسى حُلل التقريب على بساط القُربة، ويُسقى أبكار الحقائق وثيبات العلوم، فمن أجل ذلك قالوا:أولياء الله عرائس" قال له قائل: قد علمتُ الحب، فما شراب الحب، وما كأس الحب، وما الساقى، وما الذوق، وما الشرب، وما الرى، وما السكر، وما الصحو؟ قال له: "الشراب هو النور الساطع عن جمال المحبوب، والكأس هو اللطف الموصل ذلك إلى أفواه القلوب، والساقى هو المتولى للمخصوص الأكبر والصالحين من عباده، وهو الله العالم بالمقادير ومصالح أحبابه. فمن كشف له عن ذلك الجمال وحظى به نَفَساً أو نَفَسين ثم أرخى عليه الحجاب فهو الذائق المشتاق. ومن دام له ذلك ساعةً أو ساعتين فهو الشارب حقاً، ومن توالى عليه الأمر ودام الشراب حتى امتلأت عروقه ومفاصله من أنوار الله المخزونة فذلك هو الرى. وربما غاب عن المحسوس والمعقول فلا يدرى ما يقال ولا ما يقول، فذلك هو السكر.
وقد تدور عليهم الكاسات، وتختلف لديهم الحالات، ويُردون إلى الذكر والحالات والطاعات، ولا يحجبون عن الصفات، مع تزاحم المقدورات، فذلك وقت صحوهم واتساع نظرهم ومزيد علمهم، فهم بنجوم العلم وقمر التوحيد يهتدون فى ليلهم، وبشموس المعارف يستضيئون في نهارهم. أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم الغالبون".
سلطان المحبوب على قلب المحب: وقال رحمه الله: من أحب الله وأحب لله فقد تمت ولايته، والمحب فى الحقيقة من لا سلطان على قلبه لغير محبوبه، ولا مشيئة غير مشيئته، فإذاً من ثبتت ولايته من الله لا يكره لقاؤه، ويعلم ذلك من قوله تعالى: "إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِي" فإذاً الولى على الحقيقة لا يكره الموت إن عرض عليه، وقد أحب الله من لا محبوب له سواه، واحب له من لا يحب شيئاً لهواه، واحب لقاه من ذاق أنس مولاه، ويتمحض لك الحب فى عشرة، فاعتبرها فيما وراءها، • فى الرسول صلى الله عليه وسلم، • والصديق • والفاروق • والصحابة • والتابعين • والأولياء • والعلماء الهداة إلى الله تعالى، • والشهداء، • والصالحين، • والمؤمنين. فإذا افترق الأمر بعد الإيمان إلى عشرة أشياء، • إلى السنة o والبدعة • والهداية o والضلالة • والطاعة o والمعصية • والعدل o والجور • والحق o والباطل فإذا أحببت أو أبغضت، فأحبب له وأبغض له، ولست تبالى بأيهما كنت. وقد يجمع لك الوصفان فى شخص واحد، ويجب عليك القيام بحقهما جميعا. فإذاً بان لك الحب لله فى العشرة الأولى، فانظر هل ترى للهوى هناك أثراً؟ فكذلك فاعتبر حب من حضر من اخوانك الصادقين والمشايخ الصالحين والعلماء المهتدين وسائر ما حضر ومن حضر بمن غاب عنك أومات، فإن وجدت قلبك لا متعلق له بمن حضر كما لا متعلق له بمن غاب أو مات، فقد خلص الحب من الهوى وثبت الحب لله، وإن وجدت شيئاً يتعلق به فيمن تحب أو فيما تحب فارجع إلى العلم وأتقن النظر فى الأقسام الخمسة من الواجب والمندوب إليه والمكروه والمحظور والمباح.
وللمقالة بقية فتدبروا في ما مضى وانتظروا ما يأتي والحمد لله "{يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن" والصلاة والسلام على النبي عظيم الشأن وآله وصحبه في كل وقتٍ وآن.
| |
|
فقير الاسكندرية Admin
عدد الرسائل : 310 تاريخ التسجيل : 02/09/2008
| موضوع: رد: الحب عند سيدى أبى الحسن الشاذلي الإثنين نوفمبر 14, 2011 11:18 am | |
| . الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله مقلب القلوب والصلاة والسلام على الحبيب المحبوب وآله وصحبه ما تفرجت بذكرهم كروب. أما بعد... سلام الله عليكم ورحمته وبركاته... ثم أما بعد... فنستأنف نفحات الحب الشاذلية..
حُلة المحبة: وقال رحمه الله: كنت مريضاً فى القيروان فرأيت النبى صلى الله عليه وسلم فقال لى: طهر ثيابك من الدنس تحظَ بمدد الله فى كل نفس، فقلت: وما ثيابى يا رسول الله؟ فقال: إن الله عز وجل كساك حُلة المعرفة ثم حلة المحبة ثم حلة الإيمان ثم حلة التوحيد ثم حلة الإسلام، فمن عرف الله صغر لديه كل شئ، ومن أحب الله هان عليه كل شئ، ومن وحد الله لم يشرك به شيئاً، ومن آمن بالله أمن من كل شئ، ومن أسلم لله قل ما يعصيه، وإن عصاه اعتذر إليه، وإن اعتذر إليه قبل عذره. قال سيدى أبو الحسن: ففهمت عند ذلك معنى قوله تعالى: "وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ".
الحب روح الإسلام: ويقول سيدى أبو الحسن الشاذلي: "وروح الإسلام حب الله ورسوله وحب الآخرة وحب الصالحين من عباده".
مشرب الشاذلية المحبة: قال شيخنا الراضى رضى الله عنه: "إني لما انتسبت إلى الطريقة الشاذلية علمت أن مشرب أهلها المحبة، إذ أنها بنيت على ذلك لا على المجاهدة الشاقة، وتحمل أعباء التكلف والتصنع، فتشبهت بأهل الحب من أهل هذه الطريقة العلية، وكنت أهيم شوقاً إلى محبوبي ظناً بأن هذا هو الهيام الذى يشيرون إليه ويعولون عليه، ولكنى لم أشعر إلا والمحبوب قد أمطر على قلبي وجسمى أنواع البلاء صباً، فكاد قلبى أن يتقطع، وجسمي أن يتمزق، وكبدي أن يتفتت، فوضعت خدي على ثرى أبواب محبوبي، وأرسلت الدموع من عيونٍ قرحتها الليالى فى هوى مليك الجمال، وصرت أستعطف المحبوب بحلو الكلام، وأظهر ذلي بين يديه، وأنا خاضعٌ لأمره صابر لحكمه، وفي كل ذلك تترادف علىَّ البلايا، وأنا أعدها هدايا، وأنها من المحبوب عطايا، والمحبوب لا يعيرني نظرة، ولا يسعدني بلحظة، ولم أجد غير الصبر نافعاً فى محبته، فوطنت نفسى على الصبر الجميل، عسى أن يعطف عليَّ المحبوب، ويقرب عبده إلى بابه، فأكون لديه محسوباَ، وصرت لا أتلفت ولا أحن إلا إليه، ولا أبكي إلا عليه، وكل كلام يطرق سمعي أجده يدل على محبوبي، فأهيم بكل ناطقة، ولا أنتظر إفطاراً، لشرب الراح انتظاراً، وما سمعته مما يدل على الهيام فى المحبوب كلام موزون، باطنه عين المحبة – والجنون فنون – فإن كنت منا، فافهم كما فهمنا، وإن لم تكن معنا، ولم تفهم المعنى، فلا تلمنا ودعنا، وما عليك إن تهتكنا، فنحن إن تهتكنا على المحبوب لا ملام، وكل لوم على المحب حرام. كلا والله لا لوم ولا تثريب، فأكرع منها راحاً شهياً، وامتليء منها ورداً روياً، فقد خاطبتك ليلى فى مجالي حسنها، فوجدتك المجلى فى سماء الجمال، فخطبتك لنفسها، وأودعتك سرها.
يا فرحتى سمح الحبيب وزارني ** وبكأسه بين الأحبة خصني وصفا الوداد وطاب وقتى باللقا ** والحِبُ هناني وفيه أعزني فسكرتُ من طربي بحُلوِ مقاله ** وبفضلةِ الكأسِ المروقِ رشني ناديتُهُ زد يا جميلُ من الصفا ** فأمالني بين الدنانِ وغطني انتهى كلام سيدي سلامة الراضي.
وللموضوع بقية فإلى لقاء قريب إن شاء الله وصلى الله على خير البرية وآله وصحبه صلاة زكية والحمد لله بكرة وعشية.
| |
|
فقير الاسكندرية Admin
عدد الرسائل : 310 تاريخ التسجيل : 02/09/2008
| موضوع: رد: الحب عند سيدى أبى الحسن الشاذلي السبت نوفمبر 19, 2011 10:22 am | |
| . الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله .. الحمد لله الحنّان المنّان قديم الإحسان، والصلاة والسلام على حبيب الرحمن، والآل والصحب في كل وقتٍ وآن. أما بعد... سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. ثم أما بعد.. فنستأنف ما بدأناه ونقول:
اختار الله الشاذلية لمحبته وقال سيدي سلامة الراضي رضي الله عنه: لما كانت طريق السادة الصوفية هي زبدة الدين وخلاصة اليقين وأهلها خيرة المسلمين وصفوة المؤمنين قد صفى الله قلوبهم وصفاهم واختارهم لمحبته وقربهم وتولاهم، ومن أعلا الطرق التى تعددت وإلى أذواقٍ ومشاربٍ تشعبت طريق السادة الشاذلية التى كانت عليها بواطن أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم، إذ هي طريق الاجتماع والاستماع والاتباع والانتفاع، لا طريق الانقطاع والعزلة وعدم الاجتماع، يأمرون التلميذ بمحبة ساداتهم حتى يكون قلب التلميذ بمحاذاة قلب أستاذه حتى إذا أفاض الله على قلب الأستاذ من رزق التلميذ سرى إلى قلب التلميذ فلا يجري إلى ناحيةٍ أخرى، نفعنا الله بهم فى الدنيا والأخرى، وجعلنا من المحسوبين عليهم ورضى الله عنهم وعنا بهم. انتهى المقصود نقله من كلام سيدى سلامة الراضي رضي الله عنه.
الحب من أول قدم: ومن أذكار سيدى أبى الحسن ومناجاته: إلهي أنت أقرب إلى من تمييز عقلي ومن تصديق قلبي ومن خدمة نفسي ومن محبة روحي ومن شهادة سري فأعوذ بك من حجابي بصفاتك. قال ابراهيم الرفاعي فى تذييله على درة الأسرار عند قول سيدى أبي الحسن السابق (ومن محبة روحي): هنا تظهر مزية الشاذلية حيث يبدأون من الله إلى الخلق "ها أنت وربك" كما يبدأون بالحب من أول قدم ثم تكون المجاهدة بعد ذلك من حيث عالم الفرق.
الفناء فى المحبوب: قال سيدى أبو الحسن: (الزم باباً واحداً تفتح لك الأبواب واخضع لسيد واحد تخضع لك الرقاب. قال تعالى: "{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُه} [الحجر: 21] – {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} [التكوير: 26] ") انتهى. ونقول مستمدين العون من الله: وطريق المحبة تنبني على فناء التلميذ في محبة أستاذه الهائم في الحضرة المحمدية فينال من مراتب الحب ما يعجز عنه السائرين فى دروب الطريق. ولذا يقول سيدي أحمد بن عطاء الله السكندرى رضي الله عنه فى لطائف المنن: كان مبنى طريق الشيخ رضى الله عنه الجمع على الله وعدم التفرقة ... إلى أن يقول: وكان يأمر أصحابه بالجمع على محبته. انتهى المقصود نقله من كلام سيدى ابن عطاء الله عن سيدى أبى الحسن رضى الله عنهما وعنا بهما. وقال بعض المشايخ: إن العمدة فى طريق الشاذلية الصحبة الصالحة مع الاهتداء والمحبة الصادقة مع الاقتضاء. ولذا قال سيدى أبو الحسن الشاذلى لسيدى أبى العباس المرسى رضى الله عنهما:
"ما صحبتك إلا لتكون أنت أنا وأنا أنت" ولما اجتمع الأئمة ياقوت العرشى وأحمد بن عطاء الله ومحمد شرف الدين البوصيرى بشيخهم الإمام أبى العباس المرسى رضى الله عنهم فى مجلس سيادته وكان تجلى الوقت تجلى بسط وعطاء فقال لهم سيدى أحمد أبو العباس المرسى: "تمنوا على الله" فقال الإمام البوصيرى: أريد أن أمدح النبى صلى الله عليه وسلم كأننى أراه. فقال له: كذلك. وقال الإمام ابن عطاء الله مستحضراً قوله تعالى : ({يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: 269]) فقال: أريد أن أعطى الحكمة. فقال له: كذلك. وقال الإمام ياقوت العرشي الفاني فى حب شيخه والذى كان يقول له (يا دهشة يا حيرة يا حرف لا يقرأ) قال: أريد أن أكون عين شيخي. فقال له: كذلك. فقال الأحباب كلهم: فاز بها ياقوت. انتهت الرواية بالمعنى ومن عنده نصها فليثبته مشكوراً. يقول سيدى أبو الحسن الشاذلى: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، ما حقيقة المتابعة؟ فقال: (رؤية المتبوع عند كل شيء ومع كل شيء وفي كل شيء) والمراد رؤية الشهود، ولهذا نقل عنه وعن تلميذه سيدي أبي العباس رضي الله عنهما كلاً على حدة أنه قال بلفظ قريب: لو حجب عنى رسول الله طرفة عين ما عددت نفسى من جملة المسلمين. ثم إن سيدي أبو الحسن الشاذلي نادى اللـه فى الوظيفة الشاذلية أن يجمع عليه الوارث لهذه الأمانة فقال: (اسمع ندائي فى فنائي وبقائي بما سمعت به نداء عبدك زكريا) وكان دائماً ما يقول: ( ألا رجل من الأخيار يعقل عنا هذه الأسرار… هلموا إلى رجل صيره اللـه بحر الأنوار). ولما خرج سيادته من تونس للحج وكان قد أوتي عليه فيه من قبل ابن البراء والسلطان إلا أنه رجع إليها ومكث فيها حتى قدم إليها سيدي أبو العباس المرسي فقال سيدي أبو الحسن: واللـه ما ردني إلى تونس إلا هذا الفتى. ولذا لما دخل سيدي أبو العباس على سيدي أبي الحسن لما كف بصره قال سيدى أبو الحسن لسيدى أبى العباس: يا أبا العباس انعكس بصري على بصيرتي فصرت كلي مبصراً، بالله الذى لا إله إلا هو ما أترك فى زماني أفضل من أصحابى وأنت واللـه أفضلهم. ثم قال له: كم سنك يا أبا العباس فقال : يا سيدى يوشك أنه ثلاثون سنة فقال له: بقيت عليك عشرة أعوام وترث الصديقية من بعدي. انتهى رضي اللـه عنهما ونفعنا ببركاتهما أمين.
رأته مرة فى حى ليلى قال أبو عبد الله الناسخ: كنت أمشي خلف أبى الحسن وهو راكب في محارة، فرأيت رجلين يمشيان تحت ظل المحارة، فقال أحدهما للآخر: يا فلان، رأيت فلاناً يسيء معك العِشْرَةَ وأنت تحسنُ إليه. فقال له: هذا من بلدي، وأنا أقول كما قال الشاعر: رأى المجنونُ فى البيداءِ كلباً فَجَرَّ لَهُ من الإحسـانِ ذيلا فلامــوه على ما كان منه وقالوا كم أنلت الكلب نيلا فقالوا دعوا الملامةَ إنَّ عيني رأته مــرة فى حي ليلى
قال: فأخرج الشيخ رأسه من المحارة وقال له: أعد على ما قلتَ يا بُنَي فأعاد مقالته. فتحرك الشيخ فى محارته وقال: ... دعوا الملامةَ إنَّ عيني رأته مرة فى حي ليلى وجعل يكررها مراراً، ثم رمى له غفارة زبيبية اللون، وقال له: خذ هذه والبسها، فأنت أولى بها مني، جزاك الله يا بُنَي عن حُسنِ عهدك خيراً. قال: فأشرت إليه وقلت له: ناولنيها، فأخذتها وقبلتها، ثم عمدت إلى دراهم كثيرة وناولته إياها، فقال لي: والله لو أعطيتني ملئها ذهباً ما بعتها به. هذه والله ذخيرة حصلت عندي، لأجعلنها فى كفني والله. وما أنا ماشي تحت ظل هذه المحارة إلا لعل الله يرحمني بما أسمع من أذكاره، وأعلم أن الرحمة تنصب عليه فلعلي أنال منها شيئا. فعلمت انه أعرف بالشيخ مني. انتهى.
هذا ونكتفي بما ذكرناه فإن فيه الكفاية للمتأمل، والموضوع لم ينتهِ بعد، وإن شاء الله نستكمله فيما يستجد من مشاركات فإلى لقاء، وصلى الله على خاتمِ الأنبياء وسيد الأولياء سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الأتقياء الأنقياء الأوفياء والحمد لله ربِّ الأرضِ والسماء.
| |
|
فقير الاسكندرية Admin
عدد الرسائل : 310 تاريخ التسجيل : 02/09/2008
| موضوع: رد: الحب عند سيدى أبى الحسن الشاذلي الخميس نوفمبر 24, 2011 9:28 am | |
| . الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله .. الحمد لله ذي الفضل والمنة، والصلاة والسلام على نبي الرحمة وآله وصحبه صلاةً تنكشف بها الغمة وتنصلح بها الأمة وتُحفظ بها النعمة. أما بعد... سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. ونستأنف ما ابتدأناه فنقول:
أساليب الحب والعشق الإلهي ويقول الشيخ أبو الحسن الشاذلى: "والله ما بيني وبين الرجل إلا أن انظر إليه نظرة وقد أغنيته". قال سيدي الشيخ رزق السيد عبده فى كتابه الجليل (التصوف كي ينكشف الجوهر): فإنك لو سمعت أن سيدي أبو الحسن الشاذلي شيخ هذه الطائفة يقول: "يكفيني أن أنظر إلى الرجل فأغنيه" ربما سبق الإنكار على التحقق مما إذا كان يجوز لشخص أن يأتي هذا الفعل من عدمه. إذ كيف يعقل أن ينظر رجل إلى رجل فيغنيه بمجرد النظر. ولكننا إذا ما وعينا ما سبق من دراسة البشرية والروح وقدرات الإنسان ورأينا فى ظاهرة التنويم المغناطيسي قوة روح المُنَوِّم فى السيطرة على الوسيط وسلب إرادته. وإنقطاع إتصاله بغير المنوم. فإنه يمكن إستيعاب ما قاله الشيخ وتصديقه. فالشيخ ذو روح مؤمنة لها هيمنة عالية. وبمجرد أن يركز الشيخ إرادته على من أتاه فإنه مستطع أن يمحو من خواطره كل متعلقاته بالدنيا وانشغاله بها. وطالما إنمحت مكتسبات البشرية من مخيلته ينكشف جوهره، وتظهر إشراقات روحه. هذا فضلاً عما تستطيعه روح الشيخ من تلقيح روح المريد وتوجيهها إلى أساليب الحب والعشق الإلهي. وأى غنى للرجل أكثر من هذا...؟ انتهى كلام سيدى رزق رضى الله عنه.
حقيقة المحبة: قال سيدي أبو الحسن رضى الله عنه: حقيقة المحبة رؤية المحبوب على العيان، وكمالها فقدانك فى كل وقتٍ وأوان.
الحجاب عن المحبوب طرفة عين: ويقول سيدي أبو الحسن الشاذلي: والله لو حجب عنى رسول الله طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين. وفى بعض الروايات عنه او عن تلميذه ووارث حاله سيدي ابي العباس المرسي: والله لو حجب عني رسول الله طرفة عين ما عددت نفسي من الأحياء. فانظر رزقك الله حبه كيف أن محبة سيدي أبي الحسن للنبي صلى الله عليه وسلم ملكت عليه روحه وفؤاده حتى أن حجاب النبى صلى الله عليه وسلم عنه طرفة عين صارت عنده موتاً والموتُ أهونُ عليه من ذلك.
مناجاة المحبوب: وقال سيدى أبو الحسن رضي الله عنه: لا يكون حظك من دعائك الفرح بقضاء حاجتك دون الفرح بمناجاة محبوبك فتكون من المحجوبين.
النسبة الحسية والمعنوية: وقال الشيخ أبو عبد الله الشاطبي: كنت أترضى عن الشيخ فى كل ليلة كذا كذا مرة وأسأل الله به فى جميع حوائجى فأجد القبول فى ذلك معجلاً، فرأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا سيدي يا رسول الله إنى أترضى عن الشيخ أبي الحسن فى كل ليلة بعد صلاتي عليك، وأسأل الله تعالى به فى حوائجي أفترى على فى ذلك شئ إذ تعديتك؟ فقال لي: "أبو الحسن ولدي حساً ومعنىً والولد جزء من الوالد، فمن تمسك بالجزء فقد تمسك بالكل، وإذا سألت الله بأبي الحسن فقد سألته بي". صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ مكين الدين الأسمر: الناس يدخلون على باب الله وسيدي أبو الحسن يدخلهم على الله. وكان الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد يقول: ما رأيت أعرف بالله من أبي الحسن الشاذلي.
الشوق إلى لقاء الحبيب: قال الشيخ أبو العزائم ماضي: سمعت الشيخ يقول: اللهم متى اللقاء قال: فقيل لى يا علي إذا وصلت إلى حميثرة فحينئذ اللقاء.
زيارة المحب لحبيبه كان رضي الله عنه يقف على باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم – باب السلام- وهو يطلب الإذن بالدخول عليه، وقال: هذا موضع قال الله فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} حتى أُذِنَ له فى الدخول وسمع الخطاب يقول: ادخل يا أبا الحسن، ووقف قبالة وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وكشف عن رأسه وجعل يقول: صلوات الله وملائكته ورسله وأنبيائه وجميع خلقه من أهل سمواته وأرضه عليك يا سيدي يا رسول الله وعلى أصحابك أجمعين. وجعل يكررها وهو فى حالٍ عظيم إلى أن سكن عنه الحال وجلس فى جهة من الحرم وقال: لما كنت أسلم عليه كشف لي عنه، فكنت أسلم عليه فيرد على السلام بسبابته.
المحبة الفرعية والمحبة الأصلية: ويقول سيدي أبو الحسن الشاذلي: العُبَّاد: (بضم العين وتشديد الباء الموحدة وفتحها) بنو أمرهم على عشرة أصول: على الصوم والصلاة والذكر والتلاوة والدعاء والاستغفار والتضرع والبكاء واعتزال الناس وتحصيل قوتهم من وجه حلال.
وبساطهم الذكر والزهاد: يزيدون عليهم بأربعة أوصاف: بالزهد فى الدنيا عموماً، وفى الناس خصوصاً، وبكشف الغيب الملكوتى، والتخير للأحوال ومقامات الرجال.
وبساطهم الفكر وأما الأولياء: فهم درجات بسط لهم فى العلم والمعرفة والنور والمحبة والتوحيد واليقين وكشف الغيب والرسوخ فيه والتحقيق بالغنى وبآثار أنوار البقاء.
وبساطهم المحبة الفرعية وأما الصديقون: فلهم فى بدايتهم خمسة أحوال- طي الوجود عن اسرارهم، وكشف أمر الدين لأرواحهم، ومراقبة القلوب، ومراعاة العقول، وحفظ النفوس. واما الخمسة التى فى نهايتهم فالتحقيق فى المحبة والكف والصمت والثبات فى الخلة والاتصاف بالبقاء.
وبساطهم المحبة الأصلية. ويقول رضي الله عنه أن فائدة التفصيل لهذه المراتب حتى يعطي المقتدى به كل أحد من أتباعه على قدر حاله ومقامه فيما أنزل الله فيه.
وللمقالة بقية، فلنترقبها سويا، وصلى الله على خير البرية وآله وصحبه صلاة زكية والحمد لله بكرة وعشية.
| |
|
فقير الاسكندرية Admin
عدد الرسائل : 310 تاريخ التسجيل : 02/09/2008
| موضوع: رد: الحب عند سيدى أبى الحسن الشاذلي الأحد نوفمبر 27, 2011 10:32 am | |
| . الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله .. الحمد لله الحفيظ اللطيف، والصلاة والسلام على النبي الشريف، وآله وصحبه وكل محب عفيف. أما بعد... فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. ثم أما بعد.. فنستأنف استنشاق نسيم المسك الشاذلي في المحبة زادنا الله وإياكم منها وجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.
بُسُط (بضم الباء الموحدة والسين) الكرامة: وقال سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه وعنا به: بسط الكرامة اربعة: حب يشغلك عن حب غيره، ورضىً تصل به حبك بحبه، وزهد يحققك بزهد رسوله فى بريته، وتوكل يكشف لك عن حقيقة قدرته. كرامة الله فى الرضا تلهيك عن المصائب إلى يوم اللقاء.
ومن دعاء سيدى أبى الحسن رضى الله عنه: واملأ قلبى بمحبتك حتى لا يكون فيه متسع لغيرك. وفى بعض أحزاب الشاذلي وقيل لسيدي أبي العباس: وخصنا منك بالمحبة والاصطفاء والتخصيص والتولية وفيه أيضاً: إلهى كم من حسنة ممن لا تحب لا أجر لها، وكم من سيئة ممن تحب لا وزر لها. فاجعل سيئاتى سيئات من أحببته، ولا تجعل حسناتى حسنات من أبغضته، فإن كرم الكريم مع السيئات أتم منه مع الحسنات، فأشهدنى كرمك على بساط رحمتك... ويقول مناجياً ربه فى الحزب الكبير: "واجعل سيئاتنا سيئات من أحببت، ولا تجعل حسناتنا حسنات من أبغضت، فالإحسان لا ينفع مع البغض منك، والإساءة لا تضر مع الحب منك، وقد أبهمت الأمر علينا لنرجو ونخاف، فآمن خوفنا، ولا تخيب رجاءنا، وأعطنا سؤلنا، فقد أعطيتنا الإيمان من قبل أن نسألك، وكتبت وحببت وزينت وكرهت، وأطلقت الألسن بما به ترجمت، فنعم الرب أنت فلك الحمد على ما أنعمت، فاغفر لنا، ولا تعاقبنا بالسلب بعد العطاء، ولا بكفران النعم وحرمان الرضا" وقال رضى الله عنه: بت ذات ليلة فى غم عظيم فألهمت أن أقول: إلهى مننت علىَّ بالإيمان والمحبة والطاعة والتوحيد، فأخذتنى الغفلة والشهوة والمعصية وطرحتنى فى بحر الظلم فهى مظلمة، وعبدك يناديك نداء المحبوب المعصوم نبيك وعبدك يونس بن متى ويقول: "لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين" فاستجب لى كما استجبت له، وانبذنى بعراء المحبة فى محل التفريد والوحدة، وأنبت على أشجار اللطف والحنان إنك أنت الله الملك المنان، وليس لى إلا أنت وحدك لا شريك لك، ولستَ بمخلف وعدك لمن آمن بك، إذ قلتَ وقولُكَ الحق: "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ" يا الله يا جميل، يا جليل اللطف، الطف بى بلطفك الذى لطفت به، وانصرنى بالرعب الشديد على أعدائك إنك على كل شئ قدير. ومن أذكاره رضى الله عنه: اللهم اغفر لنا مغفرة الأحباب التى لا تدع شيئاً من الارتياب ولا يبقى معها شئ من اللوم والعتاب واجعل ما علمته فينا ومنا خير معلوم بعد المحو والتثبيت فإنك عندك أم الكتاب.
الدلالة على الله: قال سيدي أبو الحسن: من دلك على الدنيا فقد غشك، ومن دلك على العمل فقد أتعبك، ومن دلك على الله فقد نصحك.
اغترف من حبه صلى الله عليه وسلم: كتب سيدي أبو الحسن إلى سيدي علي بن مخلوف بتونس رضى الله عنهما: هذا من علي بن عبد الله عرف بالشاذلي إلى ولده الطيب المبارك الصفي الزكي المبرأ من سُبُلِ المهالك: علي بن مخلوف الصقلي: سلام عليك ورحمته وبركاته. اعلم أيدك الله بنور البصيرة وصفاء النحيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له مَنْ أولياء الله؟ قال: "الذين إذا رؤوا ذكر الله" فافهم معنى قوله: إذا رؤوا. فاعدل عن رؤية الأجسام إلى رؤية المعاني والأوسام وعن رؤية البصر العامية التى الشركة فيها مع الأنعام التي لا بصيرة لها واهتد بنور الله المستودع فى القلوب الذى به نظروا وعبروا ووفقوا وتحققوا. واولئك فيهم قال تعالى: "وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ". هذا صريح فى أطيب الخلق وأبصرهم به وبنوره، وبطيبه طاب كل شيء. وإنه لأمر عجيب فى إيثاره الطيب باتفاق من العلماء أن رائحته أطيب من كل طيب. فافهم وادخل فى ديوان معرفته صلى الله عليه وسلم. ومالك لا تقول كما قال. والله ما أكل إلا لنا ولا شرب إلا لنا ولا نكح إلا لنا ثم كذلك لا تَطَّيَبَ إلا لنا. فهو إذاً أصل كل طيب وبهاء كل معدن وهو معدن المعادن، فاقتبس من نوره، واغترف من حبه واشرب من معرفته وتزين بطاعته تكن الأشياء طوع يدك. انتهى.
حسبك المحبة: كان سيدى أبو الحسن رضى الله عنه يقول: كل علم يسبق إليك فيه الخواطر وتميل إليه النفس وتلتذ به الطبيعة فارم به وإن كان حقاً وخذ بعلم الله الذى أنزله على رسوله واقتد به وبالخلفاء والصحابة والتابعين من بعده وبالأئمة الهداة المبرئين عن الهوى ومتابعته تسلم من الشكوك والظنون والأوهام والدعاوى الكاذبة المضلة عن الهدى وحقائقه، وماذا عليك أن تكون عبداً لله ولا علم ولا عمل وحسبك من العلم العلم بالوحدانية ومن العمل محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ومحبة الصحابة واعتقاد الحق للجماعة قال رجل متى الساعة يا رسول الله؟ قال: ما أعددتَ لها؟ قال: لا شئ إلا أنى أحب الله ورسوله فقال: المرء مع من أحب. انتهى المقصود نقله من كلام سيدي أبي الحسن الشاذلي.
أعندك من ليلى حديثٌ محررُ وهؤلاء أصحاب سيدي أبي الحسن ورثوا عنه المحبة وبلغوا فيها الغاية، قال الشيخ تاج الدين أحمد بن عطاء الله فى تأليفه: ووجدت بخط سيدي أبي العباس المرسى نفع الله به:
أعندك من ليلى حديثٌ محررُ ** بإيراده يحيَى الرميمُ وينشرُ فعهدي بها العهدُ القديمُ وإنني ** على كلِ حالٍ فى هواها مقصرُ وقد كان منها الطيفُ قِدماً يزورني ** ولما يزور. ما باله يتعذرُ فهل بخلت حتى بطيفِ خيالِها ** أم اعتل حتى لا يصحُ التصورُ ومن وجهِ ليلى طلعةُ الشمسِ تستضي ** وفي الشمسَ أبصارُ الورى تتحيرُ وما احتجبت إلا برفعِ حجابها ** ومن عجبي أنَّ الظهورُ تَسَتُرُ ولنا لقاء قريب إن شاء الله لنستكمل ما بدأناه، وصلى الله على خير خلق الله، وآله وصحبه ومن والاه، والحمد لله.
| |
|
فقير الاسكندرية Admin
عدد الرسائل : 310 تاريخ التسجيل : 02/09/2008
| موضوع: رد: الحب عند سيدى أبى الحسن الشاذلي الثلاثاء ديسمبر 06, 2011 7:43 am | |
| . الله بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله .. الحمد لله تجلى على الأخوة بالمحبة، والصلاة والسلام على النبي وآله وصحبه.. أما بعد... سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. ونسأل الله لنا ولأخوتنا العافية في الدنيا والآخرة.. آمين. ثم أما بعد.. فنستأنف ما بدأناه ونختمه لا لأن له خاتمة، فليس للحب خاتمة، ولكن لأن هذا حال الدنيا إلى أن نلقى الأحبة..
طريق المحبين وطريق المحبوبين: ويقول سيدي أبو الحسن الشاذلي فيما يقول: اعلم أن العلوم التى وقع الثناء على أربابها هي ظلمة فى علم ذوي التحقيق وهم الذين غرقوا فى تيار بحر الذات وعموم (غموض) الصفات فصاروا هناك بلا هم، وهم الخاصة العليا الذين ورثوا الأنبياء والرسل فى أسرارهم، وإن جلت مراتب الأنبياء والرسل فلهم منها نصيب. إذ ما من نبي ولا رسول إلا وله من هذه الأمة وارث. فكل وارث على قدر إرثه من موروثه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء" ولا يكون وارثاً إلا وله نصيب معلوم من مورثه يقوم مقامه على سبيل التحقيق بالمقام والحال فإن مقامات الأنبياء قد جلت أن يلمح حقائقها غيرهم. وكل وارث فى المنزلة على قدر موروثه، إذ يقول الله جل وعلا "ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض" كذلك فضل بعض الأولياء على بعض، إذ الأنبياء بعين الحق، وكل عين مستمد منها على قدرها، وكل ولي له مادة مخصوصة، فانقسم الأولياء إلى قسمين: • قسم منهم هم أبدال الأنبياء، • وقسم منهم أبدال الرسل. فأبدال الأنبياء الصالحون، وأبدال الرسل الصديقون، فبين الصالحين والصديقين فى التفضيل كما بين الأنبياء والمرسلين، فمنهم ومنهم، غير أن منهم طائفة انفردوا بالمادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدونها عين يقين، لكنهم قليلون، وهم فى التحقيق كثيرون، وكل نبى وولى مادته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن الأولياء من يشهد عينه، ومنهم من يخفى عليه عينه ومادته، فيفنى فيما يرد عليه ولا يشتغل بطلب مادته، بل هو مستغرق بحاله لا يرى غير وقته. ومنهم الذين مدوا بالنور الإلهي فنظروا به حتى عرفوا أمرهم على التحقيق، وذلك كرامة لهم لا ينكرها إلا من أنكر كرامات الأولياء، فنعوذ بالله من النكران بعد العرفان، وهم الذين أخذوا طريقاً لم يأخذه غيرهم. إذ أن الطريق طريقان: • طريق خاصة • وطريق عامة فأعنى بالخاصة المحبوبين الذين هم أبدال الرسل، وأعنى بالعامة المحبين الذين هم أبدال الأنبياء، فعلى جميعهم السلام. فأما طريق الخاصة، فهو طريق علوي تضمحل العقول فى أقل القليل من شرحها، ولكن عليك بمعرفة طريق العامة، وهى طريق الترقي من منزل إلى منزل إلى أن ينتهي إلى منزل وهو "مقعد صدق عند مليك مقتدر". ثم شرع سيدي أبو الحسن يشرح طريق العامة فقال: فأول طريق يطؤه المحب الترقي منه إلى العلا فهو النفس، فيشتغل بسياستها ورياضتها إلى أن ينتهى إلى معرفتها. فإذا عرفها وتحقق بها فهناك تشرق عليه أنوار المنزل الثانى وهو القلب فيشتغل بسياسة معرفته. فإذا صح له ذلك ولم يبقَ عليه منه شئ رقى إلى المنزل الثالث وهو الروح، فيشتغل بسياستها ومعرفتها، فإذا تمت له المعرفة بها هبت عليه أنوار اليقين شيئاً فشيئاً، حتى إذا أنست بصيرته بترادف الأنوار عليها برز اليقين عليه بروزاً لا يعقل فيه شيئاً بما تقدم له من أنوار المنازل الثلاثة، فهناك يهم ما شاء الله، ثم يمده الله بنور العقل الأصلى فى أنوار اليقين، فيشهده موجوداً لا حد له ولا غاية بالإضافة إلى هذا العبد، وتضمحل جميع الكائنات فيه، فتارة يشهدها فيه كما يشهد الينابيب فى الهواء بواسطة نور الشمس، فإذا انحرف نور الشمس من الكوة لا يشهد للينابيب أثراً، فالشمس التى يبصر بها هو العقل الضروري بعد المادة بنور اليقين. فإذا اضمحل هذا النور ذهبت الكائنات كلها وبقى هذا الموجود، فتارة يبقى وتارة يفنى حتى إذا أريد به الكمال نودى نداءً خفياً لا صوت له فيمد بالفهم عنه: ألا إن الذى يشهده غير الله ليس من الله فى شيء، فهناك ينتبه من سكرته، فيقول: أي رب أغثني، أي رب أغثني فإني هالك، فيعلم يقيناً أن هذا البحر لا ينجيه منه إلا الله، فحينئذٍ يقال له إن هذا الموجود هو العقل الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول ما خلق الله العقل" وفى خبر آخر "قال له أقبل فاقبل"- الحديث، فاعطي هذا العبد الذل والانقياد لنور هذا الموجود، إذ لا يقدر على حده وغايته، فعجز عن معرفته، فقيل له: هيهات لا تعرفه إلا بغيره، فأهداه الله جل وعلا بنور أسمائه فقطع ذلك كلمح البصر أو كما شاء الله "نرفعُ درجاتٍ من نشاء" فأمده الله بنور الروح الرباني، فعرف به هذا الموجود، فرقى إلى ميدان الروح الرباني، فذهب عنه جميع ما تحلى عنه هذا لعبد وما تخلى عنه بالضرورة، وبقى كلا موجود، ثم أحياه الله بنور صفاته فأدرجه بهذه الحياة فى معرفة هذا الموجود الرباني، فلما استنشق من مبادئ صفته كاد يقول هو الله، فلحقته العناية الأزلية فنادته: ألا إن هذا الموجود هو الذى لا يجوز لأحد أن يصفه ولا أن يعبر عنه بشيء من صفاته لغير أهله لكن بنور غيره يعرفه، فأمده الله بنور سر الروح، فإذا هو قاعد على باب ميدان السر، فرفع همته ليعرف هذا الموجود الذى هو السر، فعمي عن إدراكه فتلاشت جميع أوصافه كأنه ليس بشيء، ثم أمده الله بنور ذاته فأحياه به حياة باقية لا غاية لها، فنظر جميع المعلومات بنور هذه الحياة، فصار أصل الموجودات نوراً شائعاً فى كل شيء لا يشهد غيره، فنودي من قريب: لا تغتر بالله، فإن المحجوب من حجب عن الله بالله إذ محال أن يحجبه غيره فيحيى بحياة استودعها الله فيه، فقال: أي رب بك منك إليك فأقل عثرتي، فإني أعوذ بك منك حتى لا أرى غيرك، فهذا هو سبيل الترقى إلى حضرة العلي الأعلى، وهو طريق المحبين أبدال الأنبياء، والذى يعطى أحدهم من بعد هذا لا يقدر أحد أن يصف منه ذرة ، والحمد لله على نعمائه، والصلاة على محمد خاتم أنبيائه. وأما الطريق المخصوص بالمحبوبين فهو منه إليه، إذ محال أن يتوصل إليه بغيره، فأول قدم لهم بلا قدم أن ألقى عليهم من نور ذاته، فغيبهم عن عباده، وحبب إليهم الخلوات، وصغرت لديهم الأعمال الصالحات، وعظم عندهم رب الأرضين والسموات، فبينما هم كذلك إذ البسهم ثوب العدم فنظروا فإذا هم لا هم، ثم أردف عليهم ظلمة غيبتهم عن نظرهم بل صار عدماً لا علة له، فانطمست جميع العلل وزال كل حادث، فلا حادث ولا وجود، بل ليس إلا العدم المحض الذى لا علة له، وما لا علة له فلا معرفة تتعلق به، اضمحلت المعلومات وزالت المرسومات زوالاً لا علة فيه، وبقى من أشير إليه لا وصف له ولا صفة ولا ذات، فاضمحلت النعوت والأسماء والصفات، فلا اسم ولا صفة ولا ذات، فهناك ظهر من لم يزل ظهوراً لا علة فيه، بل أظهر سره لذاته فى ذاته ظهوراً لا أولية له، بل نظر من ذاته لذاته بذاته فى ذاته، فحيى هذا العبد بظهوره حياة لا علة فيها، فظهر بأوصاف جميلة كلها لا علة لها، فصار أولاً فى الظهور لا ظاهر قبله، فوجدت الأشياء بأوصافه، وظهرت بنوره فى نوره، فأول ما ظهر سره فظهر به قلبه، ثم ظهر أمره بسره في سره، وظهرت بأمره الذوات فى نور القلم بنور القلم، ثم ظهر عقله بأمره في أمره وظهر به عرشه في نور لوحه بنور لوحه ثم ظهر روحه بعقله فى عقله، وظهر بروحه كرسيه في نور عرشه بنور عرشه، ثم ظهر قلبه بروحه في روحه، فظهر بقلبه حجبه في نور كرسيه بنور كرسيه، ثم ظهرت نفسه بقلبه فى قلبه فظهر بنفسه فلك للخير وللشر فى نور حجبه بنور حجبه، ثم ظهر جسمه بنفسه في نفسه فظهر بجسمه أجسام العالم الكثيف من أرض وسماء، وعلى الجملة كل كثيف فى نور الفلك بنور الفلك، فإذا أول قدم هذا المحبوب الفرد طرح النفس عدماً وهو طرح لا علة فيه، فهو استقبال العدم بسقوط الأولية والآخرية والظاهرية والباطنية، فيكون استقبال صفة معدومة لمعدوم، ومعنى الصفة المعدومة للمعدوم: أي لما انتهى العبد بدليل العلة وهو شهود الحق كلا شهادة، متصلة غير منفصلة، شهادة لا غفلة فيها قام عليه دليل لا علة فيه ولا له وهو شهود العدم المحض، ومعنى قيام الدليل الذى لا علة فيه ضرورة عدم المخلوقات المشهودات هو ذلك، فترادف عليه دليل العدم المحض وهو سكرة النسيان الدائم أبداً حتى حيى الحياة التى أشير إليها فيما تقدم من الكلام على هذا المقام. فإذا طريق هذا العبد طريق علوي، فأول ما طرح فى بحر الذات، فانعدم فأحيى حياة طيبة فنقل من غير تنقل إلى بحر الصفات ثم بحر الأمر الربانى ثم بحر السر ثم بحر القلم الأصلي ثم بحر الروح ثم بحر القلب ثم بحر النفس ثم بحر الحس ثم لقيه بحر السر فطرحه فى بحر القلمية ثم بحر اللوحية ثم بحر العرشية ثم بحر الكرسي ثم بحر الحجبية ثم بحر الفلكية فلقيه بحر السر المحيط فطرحه فى بحر الملكية ثم بحر الإبليسية ثم بحر الجنية ثم بحر الإنسية، فلقيه هناك بحر السر فطرحه فى بحر الجنان ثم بحر النيران ثم طرحه فى بحر الإحاطة وهو بحر السر، فغرق هناك غرقاً لا خروج له منه أبداً الأبد إلا بإذن، فإن شاء بعثه عوضاً من الرسول يحيي به عباده، وإن شاء ستره يفعل فى ملكه ما يشاء، وكل بحر من هذه الأبحر قد انطوت فيه أبحر شتى لو دخل الصالح الذى هو بدل النبي فى أقل بحر من هذه الأبحر لغرق فيه غرقاً لا نجاة له منه، فهذه عبرة من بيان طريق الخصوص والعموم والحمد لله كثيراً. انتهى كلام سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه. وهو كلام من أندر ما يكون حتى أن سيدي عبد الوهاب الشعراني حين نقل طرفاً منه في الطبقات الكبرى في آخر ترجمة سيدي أبي الحسن الشاذلي قال بعد أن أورد هذا الكلام: قلت: وإنما سطرنا لك يا أخي هذه الأمور الخاصة بالمكملين من أهل الله تعالى تشويقاً لك إلى مقاماتهم، وفتحاً لباب التصديق لهم إذا سمعتهم يذكرون مثل ذلك كما أشرنا إليه في خطبة هذا الكتاب وهذا الكلام لم أجده لغيره من الأولياء إلى وقتي هذا، فسبحان المنعم على من يشاء بما يشاء. والله أعلم. انتهى كلام الإمام الشعراني وبإنتهاء هذا الكلام فليس للفقير كلام، وإنما هذا هو الختام، وألف صلاة وألف سلام، على المبعوث رحمة للأنام، وآله وصحبه الكرام، والحمد لله على التمام.
| |
|