فقير الاسكندرية Admin
عدد الرسائل : 310 تاريخ التسجيل : 02/09/2008
| موضوع: الثقافة واللسان العربي الثلاثاء أبريل 09, 2013 2:54 pm | |
| الثقافة واللسان العربي 04/7/2013 - الأحد 27 جمادى الأولى 1434 | منقول عن: عالم المعاني, لغتي..عالمي - بريد أريج بسم الله الرحمن الرحيم إنّ الوعاء الأساس للفكر والكلمة والتصور هو ما يسمى هذه الأيام باسم (اللغة) وهو اسم لا أوافق عليه ومع ذلك قد أستخدمه تنزلاً إلى ما اعتاده الناس.
إن كلمة (لغة) من اللغو وهو الكلام االذي لا طائل منه، وهو أبعد ما يكون عما تدعيه العربية لنفسها من أنها لسان البيان. وقد قال الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)) [الشعراء 26: الآيات 192 - 195].
إنني أفضل استخدام كلمة البيان العربي أو اللسان العربي، وكل لسان يحمل في طياتِه رؤية متكاملة للعالم، وهذه الرؤية تختلف بالضرورة عما يقوله اللسان الاخر. ومن هنا فقضية العربية ليست هي قضية اسمية، ولا قومية، ولكنها بالضرورة رؤية شاملة للوجود من خلال هذا اللسان فمن تحدث العربية فهو عربي.
ما أريد أن أطرحه هنا للبحث هو أن العربية تشمل مستويات متعددة ثقافية وروحية وسياسية وإجتماعية، وهذه الرؤية لهذه المستويات يمتلكها من يتحدث بالعربية بغض النظر عن أصله أو منشأه، ومن هنا فإنّ عالماً أو فيلسوفاً مثل ابن سينا هو عربي الثقافة والروح والرؤية ولا يتناقض هذا مع كونه فارسياً، وكذلك فسيبويه هو عربي البيان وهذا لا يتناقض مطلقاً مع أصله من غير العرب، وكذلك صهيب الرومي وبلال الحبشي وسلمان الفارسي الثلاثة كانوا من الصحابة وبعضهم لم يكن من جزيرة العرب لكنهم كلهم عرب لأن لسانهم الناطق صار عربياً. وهكذا فإن العربية تطرح نفسها ليس باعتبارها مجرد ثقافة أو أصل فقط بل هي قبل ذلك الأفق الذي تتجلى وتتوحد فيه العناصر والثقافات المختلفة معاً، تتوحد فيه بدون أن تفقد اختلافها.
إن الكلمة – ونحن نعني بالضرورة الكلمة القرآنية العربية – ليست هي تعبير وصفي إتفاقي أو رمز خارج عن حقيقة الشيء ليدل عليه، بل هي ظهور غيب الشيء نفسه وتقلبه في مدارج مراتبه الصورية والمعنوية والحسية. إنّها بيان الشيء عن نفسه أو إعراب الشيء عن حقيقته بتجليه وظهوره. فالكلمة العربية إذاً هي الكلمة التي تُعربُ عن نفسها قبل أن ينطق الناطق بها، وتُظْهِرُ حقيقةَ الشيء الذي تُعْرِبُ عنه. إنّ العربية معناها هو الإبانة والإفصاح فهي تفصح عن حقيقة الأشياء.
ينبغي أولاً قبل إستعارة أي مناهج غريبة عن البيان العربي إستجواب البيان العربي نفسه عن نفسه وأن ندعه يعرب عن نفسه. وبيان اللسان لأنه عربي يستلزم ظهور الشيء على ما هو عليه، وإشراق هذا الظهور في وحدة جامعة لمراتب مختلفة هي مستويات معاني هذه الوحدة الخاصة بالشيء.
إنّ كلمة “الحَدَث” بمعنى وقوع الشيء بعد أن لم يكن و”الحديث” الذي هو الكلام يعودان إلى نفس الأصل. وهكذا فبالنسبة للعربية فإنّ “الحَدَث” وهو ما يجد من الحوادث هو أيضاً حديث يُعرب عن بيان الحَدَث وظهوره. ولذلك فإننا إذا تركنا البيان العربي يتحدث عن نفسه فسوف نكتشف وجود مسكوت عنه هو حقيقة هذا البيان، وهو الإرتباط الشديد الذي لا ينفصل بين الوجود والكلام.
إنّ العربية تتضمن صمت وكلام، ولقد قال هايدجر عن عملية الترجمة إنها ليست هى ترجمة حرفية بقدر ما هى بيان وتفسير فى نفس الوقت لمقول القول والمسكوت عنه فى نفس القول بكل ظلاله ورموزه.
وإذا أردنا أن نتكلم عن الثقافة فلا بد أن نسأل اللسان العربي عن معناها؟
إن كلمة (ثقافة) فعلها ثَقُفَ. وطلبناه فثقفناه في مكان كذا أي أدركناه. وثقفت العلم: وهو سرعة تعلمه وَثَقِفْتُهُ ظَفِرْتُ بِهِ وَثَقِفْتُ الْحَدِيثَ فَهِمْتُهُ بِسُرْعَةٍ وتعطي الثقافة أيضاً معنى الفِطنة والإدراك.
و ( التَّثْقِيفُ ) بالتشديد : تَقْوِيمُ الْمُعْوَجِّ وَيُسْتَعَارُ لِلتَّأْدِيبِ وَالتَّهْذِيبِ. فثَقَّفْتُهُ بِالتَّثْقِيلِ أَقَمْتُ الْمُعْوَجَّ مِنْهُ .
إذاً فالثقافة في لساننا العربي تعطي بعدين أساسين:
البعد الأول: الإدراك وسرعة التعلم والفهم
والبعد الثاني يأتي من التثقيف بالتشديد: وهو تقويم المعوج والتأديب والتهذيب
وما أحوجنا في هذه الأيام إلى المعنيين معاً: إلى الإدراك وسرعة الفهم في عالم سريع التحول والتغير حولنا. وإلى تقويم العِوَج الذي أصاب الأخلاق. فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق.
وهذا الذي نتكلم عليه يحتاج إلى ما نسميه بسريان الحال، وهو أن يسري حال حملة العلم والخُلُق في الآخرين.
إن عمر بن عبد العزيز رحمه الله بعد توليه الخلافة أتى وقت كان الرجل يأتي بالمال العظيم فيقول: أجعلوا هذا حيث ترون فى الفقراء، فما يبرح حتى يرجع بماله، يتذكر من يضعه فيهم فما يجده
هل لم يأتوا لأن عمر بن عبد العزيز أغناهم. نعم هو أغناهم ولكن أليس من معه يبتغي المزيد؟ فلماذا لم يأتِ أحد ليحصل على المزيد؟
ذلك لأن زهد عمر بن عبد العزيز سرى في الأمة كلِّها فصارت أمة زاهدة في زمنه.
إننا بحاجة اليوم إلى مثقفون ذوي حال قوي يسري في غيرهم.
إنه مفتاح الكلام بلا كلام.
إننا كما قلنا العربية هي الكلمة وهي السكوت. والله الموفق.
بقلم: محمد ياسر حمزة (منقول من بريد أريج) | |
|