وعندما زار سيادته (نعني سيدي رزق)- عندما زار سيدى سلامة الراضى قال لأحد الأحباب وهو الدكتور على اليمنى الجنسية أن هذه آخر زيارة له لسيدى سلامة فقال له الدكتور على: لا يا سيدى .. لا تقل ذلك يا سيدى. وظنناه يمزح معه ولكن الرجال تتكلم بالحقائق إلا أن الأفهام قد يحجب عنها ذلك حتى يأتى موعد استرجاع شريط الذكريات وإدراك هذه الحقائق!
وعند استقبال الشيخ لمقام سيدى سلامة رضى الله عنه سلم سيادته أحبابه لسيدى سلامة قائلاً: استلم عهدتك يا بطل.
وأيضاً لم نستوعب الكلمة وقتها أو لم ندرك أن الأمر على نحو هذه السرعة وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ومكثنا عند سيدى سلامة مدة كبيرة ثم زرنا بعد ذلك سيدى إبراهيم سلامة فى مسجد الحامدية الشاذلية بالمهندسين.
والجدير بالذكر أن لسيدى سلامة مكان للضريح هناك بجوار سيدى ابراهيم وأن لسيدى سلامة تواجد هناك أيضاً وذلك لأن للبرزخ أحكام تختلف عن أحكام الدنيا وللأولياء أمور لا تقاس بالمحسوسات وفوق كل ذى علم عليم!
وكان الشيخ قد سأل من قبل حين ضاق الوقت من أقرب هنا من ساداتنا من آل البيت فقالوا سيدتنا زينب رضى الله عنها أقرب لمكاننا من سيدنا الحسين رضى الله عنهما ولكننا نمر الأول على سيدى إبراهيم لكى نمشى من عند سيدتنا زينب إلى الطريق الزراعى مباشرة.
ونأخذ الطريق إلى سيدتنا زينب فيمر بنا الطريق بغير اختيار على السيدة نفيسة رضى الله عنها ويزورها الشيخ.
والسيدة نفيسة رضى الله عنها هى سيدة أهل الفتوة وهى بنت سيدنا الحسن الأنور بن سيدنا زيد الأبلج بن سيدنا الحسن سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وللإشارة إلى عزيز مقامها نشير هنا أن الإمام الشافعى رضى الله عنه كان كلما مرض أرسل لها لتدعو له، فلما مرض مرضه الأخير قبل انتقاله أرسل لها لتدعو له فقالت للرسول متعه الله بالنظر إلى وجهه الكريم فلما أعلمه عرف انه سينتقل فأوصى بأن تصلى عليه فمرت الجنازة على بيتها وصلت عليه، وسمع بعضهم هاتفاً أو رؤيا "إن الله قد غفر لكل من حضر جنازة الشافعى بالشافعى وغفر للشافعى بصلاة السيدة نفيسة عليه!" رضى الله عنهم أجمعين.
ثم زرنا سيدتنا زينب رضى الله عنا إلا أن الحافلة تقف بعيداً عن المسجد لعدم تيسر الوقوف قربه، والشيخ مريض ولا يستطيع المشى فيأمرنا بالذهاب للزيارة وأن نخفف ونعود..
وكانت هذه هى رحلتنا الأخيرة مع سيادته قبل إنتقاله بأربعة أيام!
وقد زرت الشيخ يوم الاثنين قبل انتقاله بيومين وكان موعد حضرة الاثنين التى نقيمها عند مقام سيدى ياقوت العرشى رضى الله عنه، وجاء الدكتور أحمد –أحد الأحباب- وكان مسافراً وجلسنا مع الشيخ ولما حان موعد الذهاب إلى الحضرة قال الدكتور أحمد للشيخ أنه يريد الجلوس معه، فقال له الشيخ على غير العادة ما معناه: انت جاى من السفر خليك معاى وما معناه أن الحضرة سماح وقال لى: وانت جاى من الشغل أيضاً سماح.. كان الشيخ يريد أن يجلس معنا قبل انتقاله بيومين.. كان يحب أن نبقى معه، إلا أن واحداً من الأحباب جاء بعدها ليذهب للحضرة فقال له الشيخ انهما سماح وأنه سيجلس معنا إلا أن ذلك الشخص ألح وقال يا سيدى حضرة سيدى ياقوت! وقال لنا الشيخ اذهبا معه، فذهبنا..
وقد اجتمعت بسيادته أيضاً بعد يوم سبت رحلة الوداع المذكورة ومعى أحد إخواننا وإذا بالشيخ يقول لى فى كلام له معنا .. تبقى خلى بالك من فلان، وظننت أنها وصية لاحقة آجلة وليست عاجلة هكذا ولكن أخى هذا أدمع وتأثر وفهم الإشارة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد رأى الأحباب مرائى كثيرة بعد انتقال الشيخ تدل على علو شأنه ومنزلته وعزاؤنا أن الذى يحجبه عن مريديه شبرين من التراب فليس برجل، ونحن نعلم أن شيخنا من أفراد الرجال ومن كمل العارفين .. يحبهم ويحبونه.
وأخبرنى أحد إخواننا - يمنى - وهو رجل ذو عين خبيرة وتحليل دقيق للأمور التى تدور حوله أنه رأى مشايخاً كثيرون فى اليمن تحدث بعد انتقالهم ثلمة فى الطريق وتخبط وبلبلة وزعزعة ونحوه فى أول الإنتقال نتيجة وجود الشيخ فى حال برزخى والدهشة التى تعتريه بعد الإنتقال مما يتسبب فى تخبط أحبابه واضطرابهم إلا أن ذلك لم يحدث فى إنتقال شيخنا وهذا مقام الرجال الكمل الأعلى منزلة حيث أنهم من علو مقامهم وشدة خروجهم عن الدنيا حال حياتهم كانوا فيها منتقلين وليسوا من اهلها فلما انتقلوا إلى البرزخ لم يصابوا بتلك الدهشة ولم يؤخذوا وللأمر معانى أدق من ذلك يعجز مثلى عن إدراكها فضلاً عن الخوض فيها.
انتقل الشيخ وقد ترك منهجاً واضحاً للسير بثه فينا بأفكاره وأودعه فى أسرارنا بأنواره وأكده فينا بصحبته ودوّنه واضحاً فى كتبه.
يقول الدكتور على اليمنى أن الشيخ كان عاشقاً للمعنى، وقد كان يكرر دائماً أن العقيدة قوة تنفعل لها الأشياء فكل ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فاعتقادك إياه والعمل وفقه بيقينية لا يدخلها الشك قوة تنفعل لها الأشياء.
وكان له غوص فى معانى الآيات والأحاديث ووقائع القوم لم يستخرجه غيره ولم يذكره أحد من قبله وفضل الله لا يحد ولا يعد.