موضوع: ليلة احتجب القمر الأحد أكتوبر 05, 2008 2:23 pm
الله بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله واهب النعم والصلاة والسلام على خاتم الرسل من أوتي جوامع الكلم، وعلى آله وصحبه وأهل الهمم. أما بعد... سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. ثم أما بعد.. فقد كان لقائي مع أخي أحمد عرفة في أحد الأعوام سريعاً مر مرور الكرام، وكان مما تجلى في سماء هذا اللقاء هذه المقالة الصغيرة التي أسميناها سوياً (ليلة احتجب القمر)، ورأينا أن نضعها في بعض المنتديات إذ هي علامة من علامات هذا الزمان الذي هو زمان إحتجاب الإحتجاب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
ليلة احتجب القمر
القمر... رمز الجمال عند العرب، وكانوا يقولون: " هَلْ يَجْهَل فلاناً إلا مَنْ يَجْهَلُ القَمَرَ "، وفي هذا العصر الحديث افتخر الغرب بإنجاز من إنجازاتهم العظمى وهو يوم حط الإنسان على ظهر القمر ووطأه بقدميه.. استخلصوا منه عينات من حجارته وقاموا بتحليلها، وتحول القمر إلى حجر كبير في الفضاء مسته أقدام الإنسان، وعرفه حق معرفته، إذ عرف المواد التي تكونت منها تربته، ومعلومات عن طبيعة غلافه المحيط، وانتهى الأمر إلى أن احتجب القمر في عين إعتقادهم بأنهم عرفوه حق المعرفة.. يقول الشاعر العربي:
حَتَّى بَهَرْتَ فما تَخْفَى على أَحَدٍ *** إِلاَّ على أَكْمَهٍ لا يَعْرِفُ القَمَرَا
ونحن نقول في المثل: "وهل يخفى القمر؟!" ونتعجب، ولكن نعم.. لقد خفيَ القمر واختفى وانطفأ نوره في غرب هذا الزمان.. إننا نعرف غروب الشمس ولكننا في هذا الزمان عرفنا أيضاً غروب القمر.. إن كل أثرٍ في الوجود فيه أية قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [النحل/12]، والآيات تمتدة من الشهادة إلى الغيب، ومن الحس إلى المعنى، فإذا ضربنا عن المعاني صفحاً وغبنا عن الغيب جهلاً، ولم نر من القمر إلا الحجارة ولا من الورود إلا مجموعة من الجزيئات والذرات فقد احتجبنا بهذا العلم الظاهر Science"" عن العلم الجامع بين الظهور والبطون قال تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الروم/7]، بل وإحتجبنا عن إحتجابنا حيث ظننا أننا قد أدركنا ولم ندرك بل غابت عنا المعاني واحتجب عنا الشهود.. وعلى سبيل المثال إذا نظرنا إلى الماء على اعتبار أن حقيقته هي أنه مكون من الهيدروجين والأكسجين احتجبت عنا حقيقته من كونه مظهراً لسريان الحياة والروح قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)[الأنبياء/30].
قال تعالى: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) [يس/39]. قال الألوسي في تفسيره: ومنازل القمر ثمان وعشرون منزلة وهذه المنازل مقسومة على البروج الاثني عشر لكل برج منزلتان وثلث فينزل القمر كل ليلة منهما منزلة فاذا كان في آخر منازله دق واستوقس ويستتر ليلتين ان كان الشهر ثلاثين وليلة واحدة ان كان الشهر تسعة وعشرين ويكون مقام الشمس في كل منزلة منها ثلاثة عشر يوما وهذه المنازل هي مواقع النجوم. انتهى. إن للقمر في اللسان العربي أسماء بحسب أحواله فمن ذلك الهلال والقمر والبدر والمُحاق: ففي تاج العروس: ( الهلال ) بالكسر ( غرة القمر ) وهى أول ليلة ( أو ) يسمى هلالا ( لليلتين ) من الشهر ثم لا يسمى به إلى ان يعود في الشهر الثاني ( أو إلى ثلاث ) ليال ثم يسمى قمرا ( أو إلى سبع ) ليال وقريب منه قول من قال يسمى هلالا إلى أن يبهر ضوءه سواد الليل وهذا لا يكون الا في السابعة قال أبو اسحق والذى عندي وما عليه الاكثر أن يسمى هلالا ابن ليلتين فانه في الثالثه يتبين ضوءه ( و ) في التهذيب عن أبى الهيثم يسمى القمر لليلتين من أول الشهر هلالا و ( لليلتين من آخر الشهر ست وعشرين وسبع وعشرين ) هلالا ( وفي غير ذلك قمر ) ونص التهذيب ويسمى ما بين ذلك قمرا. انتهى من تاج العروس. وفي العين: البدر: القمر ليلة البدر وهي أربع عشرة، وسمي بذلك لانه يبادر بالطلوع عند غروب الشمس. انتهى. وفي تاج العروس – "بُدورِ جمع بَدرٍ هو القمر عند الكمال". انتهى. وأما المُحاق آخر الشهر إذا تمحق الهلال قال ابن فارس: الميم والحاء والقاف كلماتٌ تدلُّ على نُقصان. ومَحَقه: نَقصه. وكلُّ شيء نَقَصَ وُصِف بهذا. والمحَاق: آخِر الشَّهر إذا تمحَّق الهِلال. انتهى وفي لسان العرب - وقال ابن الأعرابي سُمَّي المُحاق مُحاقاً لأَنه طلع مع الشمس فَمَحَقَتْه فلم يرهُ أَحد قال والمُحاقُ أَيضاً أَن يسْتسرّ القمر ليلتين فلا يُرى غُدْوة ولا عشية. انتهى.
إن اللسان العربي فصيح يفصح عن المعاني، والعربية هي الإبانة والإفصاح (راجع مقاييس اللغة)، وأما اللسان الغربي فهو أعجمي: أي لا يفصح فالغرب من غروب الشمس وأصل اللفظة من الغُرْبة، قال ابن فارس: "والغُرْبة: البُعد عن الوطن، يقال: غَرَبَت الدَّار. ومن هذا الباب: غُروب الشَّمس، كأنَّه بُعْدُها عن وجه الأرض. وشَأْوٌ مُغَرَِّبٌ ، أي بعيد. قال:
انتهى من مقاييس اللغة. والعربية لسان من تكلمها وإن لم يكن أصله عربي، فلا تلتفت إلى الفهم الغربي للقمر، الذي تغرب عن المعنى، وليكن لسان قمرك عربياً، فبين اللسان العربي واللسان الغربي نقطة أحالت عين العربي غيناً فتغرب، فعَرِّب لسان معناك حتى وإن كنت غربياً وأزل نقطة الغين عن العين ترى تجلي القمر وحتى في آخر الشهر حين محقه ونقصه!
وننقل لك من كتاب أسرار البلاغة – باختصار جُملاً في ما اقتطفه العرب والشعراء من حديقة معاني أحوال القمر حيث يقول: "ويعطيك من القمر الشهرة في الرجل والنباهة والعِزَّ والرفعة، ويعطيك الكمال عن النقصان، والنقصان بعد الكمال، كقولهم هلال نَمَا فعاد بدراً، يراد بلوغ النَجْل الكريم المبلغَ الذي يُشبِه أصلَه من الفضل والعقل وسائر معاني الشرفِ، كما قال أبو تمام:
إنّ الهلالَ إذا رأيتَ نُمُوَّهُ ... أَيقنتَ أن سيصيرُ بدراً كاملاَ
وعلى هذا المثل بعينه، يُضرَب مثلاً في ارتفاع الرجل في الشرف والعزّ من طبقة إلى أعلى منها، كما قال البحتري:
مِثْلَ الهلال بدَا فلم يَبْرَحْ به ... صَوْغُ اللَّيالي فيه حتى أقمَرا
ويعطيك شَبَه الإنسان في نَشْئِه ونَمائه إلى أن يبلغ حدَّ التمام، ثم تراجُعِه إذا انقضت مُدَّة الشباب، كما قال:
المرءُ مِثْلُ هلالٍ حين تُبصرهُ ... يبدو ضئيلاً ضعيفاً ثم يَتَّسِقُ يَزدادُ حتّى إذا ما تَمَّ أعْقَبه ... كَرُّ الجديدين نقصاً ثم يَنْمَحِقُ
وكذلك يتفرَّع من حالتي تمامه ونُقصانه فروعٌ لطيفة، فمن غريب ذلك قولُ ابن بابك: وأعَرْتَ شَطْرَ المُلك ثَوْبَ كماله ... والبدرُ في شَطْر المَسافَةِ يكمُلُ وهكذا يُنظر إلى مقابلته الشَّمسَ واستمداده من نورها، وإلى كون ذلك سببَ زيادته ونقصه وامتلائه من النور والائتلاق، وحصولهِ في المُِحَاق، وتفاوُتِ حاله في ذلك، فتُصاغ منه أمثَالٌ، وتُبَيَّن أشباهٌ ومقاييس، فمن لطيف ذلك قول ابن نباتة:
فهو كالشمس بُعْدُها يملأ البَدْ ... ر وفي قُرْبها ُمحاقُ الهلالِ
وغير ذلك من أحواله كنحو ما خرج من الشَّبَه من بُعده وارتفاعه، وقُرب ضَوئِه وشُعاعه، ومن ظهوره بكل مكان، ورؤيته في كل موضع، كقوله:
كالبدرِ من حيثُ التَفَتَّ رَأَيتَه ... يُهدَي إلى عينيك نوراً ثاقبَا
انتهى المقصود نقله من أسرار البلاغة بإختصار.
وأما في العرفان الصوفي فالقمر رمز لعدة معانٍ: منها الخلافة الإنسانية، والإنسان الكامل، والتجلي، والاستمداد، والنبوة، والعلم، والتلوين في مقابل التمكين، وقلب العارف الصافي، والفناء والبقاء، والشريعة، والتوحيد البرهاني، والإيمان، والقلب في تقلبه.
قال الشيخ الأكبر في الفتوحات المكية: "فالألف كاملة من جميع وجوهها والنون ناقصة فالشمس كاملة والقمر ناقص لأنه محو فصفة ضوئه معارة وهي الأمانة التي حملها وعلى قدر محوه وسراره إثباته وظهوره ثلاثة لثلاثة فثلاثة غروب القمر القلبي الإلهي في الحضرة الأحدية وثلاثة طلوع قمر القلب الإلهي في الحضرة الربانية وما بينهما في الخروج والرجوع قدماً بقدم لا يختل أبداً". انتهى.
وفي تفسير الألوسي في موضع ثالث: الشمس إذا قابلها القمر انكسفت ، وشمس المعرفة وهي { أُشْهِدُ أَن لاَّ إله إِلاَّ الله } إذا لم تقرن بقمر النبوة وهي { أشهد أن محمداً رسول الله }لم يصل النور إلى عالم الجوارح. انتهى.
وفي قصيدة لإمام المحبين سيدي العارف بالله سلامة بن حسن الراضي رضي الله عنه يقول:
شمس الحقيقة تمحينا ... بدر الشريعة يحيينا وكل ذائق يعرفنا ... ومن عرفنا يهيم فينا
وفي تفسير القشيري – في قوله جلَّ ذكره : { الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } . يعني يجري أمرهما على حدٍّ معلومٍ من الحساب في زيادة الليل والنهار ، وزيادة القمر ونقصانه ، وتُعْرَفُ بجريانهما الشهورُ والأيامُ والسنون والأعوام . وكذلك لهما حساب إذا انتهى ذلك الأَجَلُ . . فالشمسُ تُكَوَّرُ والقمرُ يَنْكَدِر . وكذلك لشمسِ المعارفِ وأقمارِ العلوم - في طلوعها في أوج القلوبِ والأسرار - في حكمة الله حسابٌ معلومٌ ، يُجْريهَا على ما سَبَق به الحُكْمُ . انتهى. وفي تفسير القشيري أيضاً – عند قوله تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) [يس/39، 40] الإشارة منه أن العبد في أَوان الطلب رقيقُ الحال ، ضعيفٌ ، مختصرُ الفَهْم . ثم يُفَكِّر حتى تزداد بصيرته . . إنه كالقمر يصير كاملاً ، ثم يتناقَصُ ، ويدنو من الشمس قليلاً قليلاً ، وكُلَّمَا ازداد من الشمس دُنُوَّا ازداد في نفسه نقصاناً حتى يتلاشى ويختفي ولا يُرَى . . ثم يَبْعُدُ عن الشمس فلا يزال يتباعد ويتباعد حتى يعود بدراً - مَنْ الذي يُصَرِّفه في ذلك إلا أَنه تقدير العزيز العليم؟ وشبيهُ الشمسِ عارِفٌ أبداً في ضياء معرفته ، صاحبُ تمكين غيرُ مُتَلَوِّنٍ ، يشرق من برج سعادته دائماً ، لا يأخذه كسوفٌ ، ولا يستره سحابٌ . وشبيهُ القمر عبدٌ تتلون أحوالُه في تنقله؛ فهو في حال من البسط يترقَّى إلى حَدِّ الوصال ، ثم يُرَدُّ إلى الفترة ، ويقع في القبض مما كان به من صفاء الحال ، فيتناقص ، ويرجع إلى نقصان أمره إلى أن يرفع قلبه عن وقته ، ثم يجود الحقُّ- سبحانه- فيُوَفِّقُه لرجوعه عن فترته ، وإفاقته عن سَكْرَتِه ، فلا يزال يصفوا حاله إلى أنْ يَقْرُبَ من الوصال ، ويرزقَ صفة الكمال ، ثم بعد ذلك يأخذ في النقص والزوال . . كذلك حاله إلى أن يُحَقَّ له بالمقسوم ارتحاله ، كما قالوا :
ما كنت أشكو ما على بَدَني ... من كثرة التلوين من بُدَّتِه
وأنشدوا :
كُلَّ يوم تتلون ... غيرُ هذا بِكَ أجمل
إنتهى من تفسير القشيري. وفي تفسير حقي: وقال بعض الكبار جعل الله شهورنا قمرية ولم يجعلها شمسية تنبيها من الله تعالى للعارفين من عباده أن آية القمر بمحوه عن العالم الظاهر لمن اعتبر فى قوله تعالى وتدبر { لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر } أى فى علو المرتبة والشرف فكان ذلك تقوية لكتم آياتهم التى أعطاها للمحمديين العربيين واجراها واخفاها فيهم يعنى أن آيات المحمديين ليست بظاهرة فى ظواهرهم غالباً كآية القمر وستظهر كراماتهم فى الآخرة التى هى آثار ما فى بواطنهم من العلوم والكشوف والحقائق والخوارق. انتهى. وفي تفسير حقي - وقد قال عليه السلام "إن العبد اذا قام يصلى فان الله ينصب له وجهه تلقاءه" والله نور وحقيقة العبد ظلمانية فالذات المظلمة إذا واجهت الذات النيرة وقابلتها بمحاذات صحيحة فانها تكتسب من أنوار الذات النيرة ألا ترى أن القمر الذى هو فى ذاته جسم اسود مظلم كثيف صقيل كيف يكتسب النور من الشمس بالمقابلة وكيف يتفاوت اكتسابه للنور بحسب التفاوت الحاصل فى المحاذاة والمقابلة فاذا تمت المقابلة وصحت المحاذاة كمل اكتساب النور. انتهى. وفي تفسير حقي –وكذا قوله: (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) [الإنشقاق/18] فانه يدل على حصول كمال القمر بعد أن كان ناقصا قال القاشاني: أي قمر القلب الصافي عن خسوف النفس إذا اجتمع وتم نوره وصار كاملا وفى التأويلات النجمية يشير الى القسم بقمر قلب العارف المحقق عند استدارته وبدريته . انتهى.
وينقل سيدي ابن عجيبة بالمعنى في الكلام على الإشارة بعد تمام الكمال على العبارة في تفسيره فيقول: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ) [القيامة/7] : تحيّر من سطوات أشعة سبحات التجلِّي الأحدي الجمعي ، (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) [القيامة/8] أي : ستر نور قمر القلب بنور شمس الروح ، (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) [القيامة/9] ، أي : جُمع شمس الروح وقمر القلب ، بالتجلِّي الأحدي الجمعي ، يعني : فيغيب نور قمر الإيمان في شعاع شمس العرفان ، (يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) [القيامة/10] من خوف الاضمحلال والاستهلاك ، وليس عنده حينئذ قوة التمكين فيخاف من الاصطلام ، (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرّ) [القيامة/12] بالرسوخ والتمكين ، بعد الفرار إلى الله ، قال تعالى : (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) [الذاريات/50]. انتهى.
وفي تفسير حقي – قال: قال شيخى وسندى رَوَّحَ اللهُ روحه فى كتاب الملائحات البرقيات له: إن الشمس آية للحقيقة الإلهية الكمالية الأكملية وإشارة اليها والقمر آية للحقيقة الإنسانية الكمالية الأكملية وإشارة اليها، فكما أن القمر منذ خلقه الله إلى يوم القيامة كان مجلى ومظهراً لتجلي نور الشمس وظهوره فى الليل حتى يهتدي به أرباب الليل فى الظلمات الليلية فى سيرهم وسلوكهم فى طرق مقاصدهم، فكذلك الحقيقة الإنسانية الكمالية الأكملية منذ خلقها الله إلى أبد الآبدين كانت مجلى ومظهرا لتجلي نور الحقيقة الإلهية الكمالية الأكملية وظهوره فى الكون حتى يهتدي به أرباب الكون فى ظلمات الكون عند سلوكهم وسيرهم فى العوالم والأطوار الكونية نزولاً عند السير الى عالم الإمكان وعروجاً عند السلوك على عالم الوجوب، فكما أن القمر يفنى من نوره ونفسه بالتمام فى نور الشمس ونفسها بحيث لا يبقى أثر من نوره ونفسه عند المقارنة والمواصلة الحاصلة بينهما بالتوجه الشمسي القابض والاقبال الجاذب عليه، ويبقى مع نوره ونفسه أي جرمه بالكمال وبنور الشمس ونفسها بحيث لا يفنى شيء من نوره ونفسه عند المقابلة الكاملة الحاصلة بينهما بالإرسال إلى نفسه والبسط إلى نوره مراراً وكرارا دآئماً وباقياً إلى يوم القيامة، فكذلك الحقيقة الإنسانية الكمالية الأكملية تفنى من نورها وتعينها فى نور الحقيقة الإلهية الكمالية الأكملية وتعينها بالتمام بحيث لا يبقى لها أثر ما أصلاً عند الوصلة الإلهية الحاصلة فى مرتبة الذات الأحدية الجمعية المطلقة بالقبض والجذب من نورها وتعينها الى نورها وتعينها الأزلي الأبدي السرمدي، وتبقى مع نورها وتعينها بنورها بحيث لا يفنى منها أثر أصلاً عند الفرقة الكونية الحاصلة فى مرتبة المظهرية الكثرتية الفرقية المقيدة بالبسط والإرسال إلى نورها وتعينها مراراً وكراراً أبداً سرمداً، وعند تجلي النور الشمسي والإلهي وظهوره فى القمر والإنسان الكامل تدريجاً إلى حد الكمال يكمل بقاؤهما وعند استتاره واختفائه عنهما تدريجاً أيضا إلى حد التمام يتم فناؤهما، وفناؤهما على هذا الوجه من قبض جلال الحق سبحانه، وبقاؤهما على ذلك النمط من بسط جماله تعالى، (وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُط) [البقرة/245] دائماً من مرتبة كماله الذاتي بيدي جلال كماله وجماله (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) [المائدة/64] (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) [الإسراء/20] انتهى كلامه قدس الله سره. انتهى.
وقال سيدي محيي الدين في الفتوحات عند كلامه في (في معرفة منزل القمر من الهلال من البدر من الحضرة المحمدية): "اعلم أيدك الله أن القمر مقام برزخي بين مسمى الهلال ومسمى البدر في حال زيادة النور ونقصه فسمي هلالاً لارتفاع الأصوات عند رؤيته في الطرفين ويسمى بدراً في حال عموم النور لذاته في عين الرائي وما بقي للقمر منزل سوى ما بين هذين الحكمين غير أن بدريته في استتاره عن إدراك الأبصار تحت شعاع الشمس الحائل بين الأبصار وبينه يسمى محقاً وهو من الوجه الذي يلي الشمس بدر كما هو في حال كونه عندنا بدراً هو من الوجه الذي لا يظهر فيه الشمس محق وما بين هذين المقامين على قدر ما يظهر فيه من النور ينقص من الوجه الآخر وعلى قدر ما يستتر به من أحد الوجهين يظهر بالنور من الوجه الآخر وذلك لتعويج القوس الفلكي فلا يزال بدراً دائماً ومحقاً دائماً وذلك لسر أراد الله إعلامه للعارفين بالله فضرب لهم هذا المثل بالفعل ليعتبروا فيه بالعبور إلى ما نصب له من معرفة الإنسان الكامل ومعرفة الله لوجوده على الصورة وتغير أحواله فيها لتغير المراتب التي يظهر فيها قال تعالى: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ) [يس/39] ولم يسمه بدراً ولا هلالاً فإنه في هاتين الحالتين ماله سوى منزلة واحدة بل اثنتين فلا يصدق قوله منازل إلا في القمر فللقمر درج التداني والتدلي وله الأخذ بالزيادة والنقص في الدخول إلى حضرة الغيب والخروج إلى حضرة الشهادة ثم إن الله تعالى نعته بالانشقاق لظهور الإنسان الكامل بالصورة الإلهية فكان شقاً لها فظهورها في أمرين ظهور انشقاق القمر على فلقتين" انتهى.
وبعد أن نقلنا النقول في بعض تجليات المعاني القمرية في أمة القرآن العربية نختم هذه المقالة بسير اللسان وسير القمر فنقول: سار اللسان سيره إلى الكمال حتى اكتمل بالعربية لسان الوجود والتي بلغت أحرفها ثمانية وعشرين حرفاً بعدد منازل (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم) [يس/39]. إنها عدد منازل الإنسان الكامل.. إنها تجليات النفس الرحماني من أقصى البطون إلى أقصى الظهور. إن العربية تجلت وتهيئت منذ الذبيح إسماعيل عليه السلام إنتظاراً لمن له إنشق القمر لأنه الجامع لكل المنازل القمرية والكمالات الإنسانية، وإنشقاق القمر هو إنفلاق سموات مجمع البحرين وأرضه وهو جمع جوامع مقامات وأحوال الكلمات الوجودية في سريانها وإكتمالها بالضلال الأعظم والحيرة الكبرى التي هي نور أنوار الظلمات العمائية بطلسمة الهوية الظاهرة مطلقاً في عين محاق المنازل القمرية اللفظية الملتفة حول قاف حكم امتداد النفس في الرق المنشور والكتاب النوني المسطور.
almosly زائر
موضوع: رد: ليلة احتجب القمر الثلاثاء نوفمبر 11, 2008 3:36 pm
[center]
بارك الله بك ياقمر ... الاسكندرية
maged زائر
موضوع: رد: ليلة احتجب القمر الثلاثاء نوفمبر 11, 2008 4:08 pm
يا سلام على حلاوة الكلام ده
فقير الاسكندرية Admin
عدد الرسائل : 310 تاريخ التسجيل : 02/09/2008
موضوع: رد: ليلة احتجب القمر الخميس نوفمبر 13, 2008 5:14 pm
الله
إخوتي almosly ، maged حفظهما الله...
نشكر لكما مروركما، وثناءكما الكريم، رزقنا الله وإياكم الفهم عنه، وجعلنا في معية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وجمع بيننا على خير