الحمد لله وصلى الله وسلم على سيدنا محمد أكرم الخلق لديه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الوقوف بين يديه.. وبعد..
لعلنا قد أعملنا الفكر بشأن معاملاتنا مع الخلق بدأنا نفكر بكيفية تعاملنا مع المحسن والمسيء، الكلام الذي ذكر في المجلس الماضي وفيه شيء من العمق حول نظرتنا إلى الخلق.. هل هم وسائل نرتقي بها إلى الله عز وجل بحسن تعاملنا معهم على من يرضي الله؟ أم أنهم أشخاص نتنازع نحن وإياهم ليأخذ كل منا من الآخر ما يريد ويدفع ما لا يريد.
كان بعض الأشياخ يقول في مسألة التعامل مع الناس: من أهم الأمور أن تـُحكم ميزان القبول والرد، أحسن إليك أحدهم إحسانا إما ماديا بمال أو هدية، أو معنويا بحسن معاملة أو بازدراء نصيحة القبول والرد، ميزانه ينبغي أن يستوي عند السائل إلى الله أن ينضبط.
ميزان القبول والرد
في ميزان القبول والرد في التعامل مع الناس أقبل أو أرفض!! ينبغي أن ابحث عن ماذا يرضيه سبحانه وتعالى في ذلك قبل أن أبحث عن حاجتي من عدمه، أعيد؟.. نبحث عما يرضيه سبحانه وتعالى قبل أن نبحث عن احتياجنا من عدمه، عـُرض عليك شيء من المال قد تكون محتاجا إليه.. عندك من أقاربك من هو في مستشفى أو عندك سداد دين أو قسط لكن لو بدأت تفكر في الحاجة قبل مرضات الله ستضعف وسيختل عندك الميزان.. ميزان القبول والرد، ستقبل ما لا يصح قبوله وترد ما لا يصح رده، إما أن يأخذك الكبر وتظن أنه من باب عزة المؤمن وترفض شيئا لا يجوز أن ترفضه في وضع معين، العائل المستكبر من الناس الذين لاينظر الله اليهم والعياذ بالله.. نعم.. وإما أن تقبل في ظل شعورك بالحاجة على نحو لا يرضي الله، لكن أنا عندي ظرف ومحتاج، إن كان مكتوب لك أن يصل إليك ارفضه بالحرام سيأتيك مباشرة بالحلال هذه سنة ماتتبدل ولا تتحول، قد يبطئ الوقت اختبارا لكنها لاتتبدل ولا تتحول.
الأصل هل أخذ هذا الشيء يرضي الله أو لا؟ هذه النظرة الأولى.. ثم بعد ذلك إن عرض عليك شيء من العطاء وهو على نحو لا يرضي الله هل تقبله أو ترده؟ قال الميزان في ذلك هل جاءك بطلب؟؟ الأصل أن السائر إلى الله لا يطلب من الخلق، يطلب من الخالق هذا توحيد يطلب من الله سبحانه وتعالى هذا الأصل.
الأصل أن السائر إلى الله لا يطلب من الناس.. اسمع.. ما هو فقط ما يطلب بلسانه لا يـُلمح، شيء أكبر؟ لا يستشرف.. لا يقر نفسه على أن تستشرف العطاء من الخلق لأنه يعلم أن الخلق آلة بيد الجلالة الذي يحركهم هو الله. أنا يستشرف إلى عطاءه هو يـُفرج عني، ولهذا قال الإمام الحداد رحمه الله في آداب سلوك المريد [ فإن جاءك شيء بغير طلب ولا استشراف نفس -هذا نوع من الطلب الباطن- ومن وجه الحلال وأنت محتاج إليه فخذه واقضِ منه حاجتك فإن فاض شيء فتـَصَدق -فرِّج على من هو محتاج- وإن جاءك بطلب استشراف نفس أو أنت غير محتاج إليه أو ما هو أدهى.. إن جاءك على وجه غير صحيح -أو غير مباح غير حسن غير مقبول شرعاً- فرده ولكن رده ردا حسنا ] لأن النفس إذا حرمت من الحظ المحسوس المادي أن تأخذ، تريد أن تستعيض عن هذا الحرمان بشيء.. حظ آخر، وهو الحظ المعنوي، العنترية.. أنا عرضوا عليّ يعطوني كذا وكذا.. رفضت، قلت أبدا أنا مثل هؤلاء؟!، أنا لو أريد لسكنت في قصر لكن أنا عندي أمانة..
ولهذا قال الإمام الحداد رحمه الله: [ واياك والاخذ بشهوة أو الرد لشهرة ] انظر لعظمة هذه العبارة.. سبحان الله!! وإياك والأخذ بشهوة –أخذت لأنك مشتهي شيء تريده قبل أن تنظر هل الاخذ هذا يـُرضي الله أو لا يرضي الله، وإياك والأخذ بشهوة أو الرد لشهرة، العالم الفلاني عرضوا عليه سيارة وبيت يقول: أبدا ما أريد -هناك صادقون يقولون ما أريد- لكن الصادق يقول لا أريد.. شكرا.. جزاكم الله خير.. وغيره، رأيت الفرق؟ تلذذ النفس بالشهرة أكبر من التمتع بالحس بالمال .. يقال أن فلان رفض كذا أكبر من تلذذه بركوب السيارة الفاخرة.. النفس!! عمق النفس ..
هذه ضوابط.. هذه الضوابط وما كان قبلها والمواضيع التي ابتدأنا بها من بداية هذه المجالس التي نسير بها إلى الله عز وجل، تتذكرون من بداية مفهوم الإرادة من الباعث من التوبة وكل الأمور التي تـُحدث عنها: الخواطر، تطهير القلب، الطهارة، الوقت، الصلاة، النوافل، الرواتب، شغل كثير.. صحيح؟
مجالسة الصالحين
وهذه المجالس هي بمثابة المفاتيح لن يحصل كل المطلوب من المجلس، فضل الله واسع.. إن شاء الله يحصل لكن لا تضجر إذا ما وجدت أن المطلوب كله حصل لك بمجرد جلست في المجلس، لكن هناك وسيلة تعين على التحقيق بذلك مع الإلتجاء إلى الله والدعاء ومجالسة الصالحين “من جالس جانس” كانوا يقولون، في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أظن كلكم أو على الاقل جلكم حفظ أو سمع هذا الحديث “مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك -يعني بياع العطور- ونافخ الكير -يعني الحداد- أما حامل المسك فإما ان يهديك -يعطيك هدية- أو أن تبتاع منه أو أن تجد منه ريحاً طيبة وأما نافخ الكبير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة” هذا ليس فيه تقليل من قدر نافخ الكير.. نافخ الكير يعمل بحلال “من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له“.
الجليس الصالح
الكلام عن ربط المثل الحسي بحرق الثوب والريح الكريهة بمفهوم معين..انتبهوا.. هذا حديث عظيم وكل أحاديثه عظيمة نفسي له الفداء صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث يقول لك أن مُجالستك للصالحين لابد أن تستفيد منها في كل حال من الأحوال.. إلا أن الاستفادة على مراتب، إما أن يحذيك وهذا راجع المراد بها إليه هو بتوفيق الله أن قرر أن يعطيك هو أهداك، وإما أن تبتاع منه ترجع إلى من؟ إليك.. قررت تستشري تدفع فلوس وتأخذ إما أن يحذيك.. أن يتكرم عليك الصالح بمجالستك إياه وإما أن تجتهد في حسن المجالسة بالاستفادة، لا أحسنت الاجتهاد في الاستفادة ولا طاب خاطره أن يعطيك.. تخرج هكذا؟ لا!! وإما تجد منه ريحا طيبة.. ما يمكن أن تدخل عند العطار لا تجد ريحة طيبة، تدخل عند العطار يعطيك هدية دعاية يسمونها، وإما تدفع فلوس لمشتري، لكن لا هو أعطاك ولا أنت اشتريت ممكن ما تشم ريح طيبة؟ لابد أن تشم ريحا طيبة إذا دخلت عنده..
جليس السوء
ماذكر النبي ثلاث احتمالات ذكر احتمالين، لاحظوا هنا!! جليس السوء إما أن يحرق ثوبك.. لماذا؟ قال: أن حرق الثوب هذا نتيجة لعمل مشترك بين الطرفين هو ما انتبه نفخ الكير وأنت ما انتبهت أطلقت ثوبك أو وقفت في المكان غير مناسب أو أحدكما يحصل منه هذا، فالضرر هنا قائم بالمشترك، لا أحرق ثوبك وأنت انتبهت وهو انتبه وأنا واثق من نفسي، ولو جالستهم أنا أتسلى!! فقط اقضي وقت.. فقط قليلا أنفس عن نفسي، والأمور سهلة.. “وإما أن تشم منه ريحا خبيثة” تقدر تمر بمكان فيه ريح كريهة وما تشم؟ مزكوم؟ هذا شيء آخر.. حتى الجراثيم تدخل أيضا “وإما أن تجد منه ريحاً كريهة” إذا لابد للإنسان أن يتأثر بالجليس..
إذا نحن بحاجة مستعينين بالله عز وجل أن نفكر بعد هذه المجالس.. مَن الناس الذين نجالسهم؟ مَن الذين حولنا؟ مَن اخترنا مجالستهم من الأصحاب الذين نأنس إليهم؟ كم نسبة الصالحين فيهم؟ ثم الصالحون هؤلاء.. كم نسبة الذين نوع الجلوس معهم شيء مفيد؟ مَن منهم يعتاد النصيحة إذا لاحظ مني شيء يأتي وينصحني، هذا من أغلى الأصحاب هذا عملة نادرة في زماننا.. هذا من أغلى ما يمكن أن يعطيك الله في صلاتك بهؤلاء الأصحاب.. أن يوفر لك أو يهئ لك صديقا ينصحك، أنا لاحظت منك كذا وكذا، انتبه تستثقل النصيحة لأن هذا مؤشر خطير!! الصادق في طلب السير إلى الله يقبل النصيحة.. لا!! ليس فقط تقبل النصيحة، أنك تشعر أنك ممتن لله حيث ساق إليك من ينصحك، تنظر إلى النصيحة على أنها هدية، ما سمعت قول بن الخطاب رضي الله عنه الذي يفرق الشيطان من ظله سيدنا عمر “رحم الله امرئ أهدى إلي عيوبي” كيف هدية؟ لأن لو لم ينبهك إليها ستستمر في هذا العيب وقد بعض العيوب تؤدي بك.
* حكمة ومثال : كان الإمام الغزالي رحمه الله يقول مثلا عجيباً، قال لو أن أحدا من جلسائك لاحظ عقربا استل إلى ثوبك بين الثوب والجسد فقام وزجرك ونهرك وهدد.. أنت ما ترى؟ قرب هيه هيه وصاح فيك حتى يخرج العقرب.. إذا رأيت العقرب بالفعل، أولا تستغرب لماذا صرخ فيك وقام وهب عليك لكن بعد أن ترى العقرب وقد خرج من جسدك وقد سلمت من لسعته كيف تنظر إلى هذا الصاحب؟ جزاك الله خير.. وإلا تقول يا أخي المفروض يكون أسلوبك أرقى كان المفروض تقول لي انتبه في عقرب في ثوبك!!.. لكن قبل أن تعرف عقرب صاحب تعرف انه ما يكذب حتى في المزاح صاح فيك.. هيه عقرب في ثوبك.. تقول له يا أخي اخفض صوتك تكلم معي بأسلوب محترم وإلا ما آخذ كلامك!.. وصلت؟
الأصل في النصيحة: أن الإنسان يؤديها بأسلوب حَسَن، أنا لما أنصح أطالب نفسي بالأسلوب الحسن، لكن إذا ساق الله إليَّ النصحية بيد أحد.. بأسلوب حسن أو غير حسن.. النصيحة هدية، يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى “إذا كان هذا في الحق العقرب الحسي الذي غاية الأمر أن يُصيب الجسد بآلام قد لاتصل إلى الموت في نوادر من الاحيان لو مات الجسم، فكيف بعقارب الصفات الذميمة التي قد توردك النار وبئس القرار” فإن وجدت من ينبهك إليها أتحبه أو لا تحبه؟ تفرح به أو لا تفرح؟ النفس الأمارة بالسوء تستثقل أن تسمع النصيحة..
الشيخ المربي المرشد
ثم أن هناك نوعا من الصالحين نحتاج إليهم في مثل هذه المجالس في السير لله عزوجل وهم الصالحون الذين هيئهم الله للدلالة على الله، الشيخ المربي المرشد الذي يدل السالك إلى الله عز وجل.. كيف يمكن أن يتخلص ويتخلى عن الصفات الذميمة التي لا ترضي الله عز وجل وكيف يعينه أن يتحلى بالصفات الحميدة، الشيخ الذي له خبرة بأمراض القلوب وكيفية معالجتها، الإنسان بحاجة إلى هذا الأمر من أراد أن يتخلص من صفات نفسه الذميمة يقرأ كلام الله يُرتل، ينظر في كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، يُجاهد نفسه، ينظر في كلام القوم، كما أنه أيضا بحاجة إلى مُعلم.. بحاجة إلى مُرشِد..
ولهذا جاء شأن النبي مع الصحابة والصحابة مع التابعين والتابعين مع تابعي التابعين، الصحبة، كان الصحابة مرشدهم سيدنا محمد.. الله.. الله.. الله.. ما أحد عنده شيخ مثل شيخهم، ولهذا اعرف أدبك مع الصحابة، انتبه تضيع!!، لا تضحك عليك نفسك ولاعقلك ولاقرأت التاريخ.. دققت.. عندك تجرد في القراءة في النظرة.. انتبه هؤلاء شيخهم محمد صلى الله عليه وسلم سيد الوجود، أنت من شيخك؟ اعقل واعرف من أنت!!
والصحابة كانوا شيوخاً مرشدين للتابعين، والتابعون كان منهم الشيخ المرشد لتابع التابع، فمسألة الأخذ والتلقي مسلسلة من رسول الله إلى مشايخ زماننا الربانيين رواية ودراية وتزكية هذا أمر يحتاج إليه السائر إلى الله، نعم!! ومن ادعى أن الإنسان لا يحتاج إلى مرشد يربيه ويوجهه ويبصره بعيوبه فكأنه يُبطل دور النبوة والعلم (إرث النبوة)، الحاجة ماسة أنا أحتاج إلى من ينبهني ..
كيف أعرف هذا الشيخ المرشد؟
كيف أميز هذا الشيخ؟ الإدعاء في هذا الباب للاسف كثير، يكثر من يدعون الصلاح والمشيخة، أسأل الله يُصلح أحوالنا جميعاً.. ومسألة السير إلى الله هذه رأس المال ليست محل للمخاطرة لا أسَلِم مسألة سيري إلى الله وزمام تربية نفسي إلى كل من هبَّ ودبَّ، وليس الضابط هنا الشهرة، يقول الامام الغزالي رحمه الله [ إن من الكبر الخفي أن يأبى التلميذ إلا أن يأخذ عن مشاهير العلماء أو المشايخ المربين ويستنكف أن يأخذ عن الخاملين ] يعني الذين لايعرفهم الناس خاملي الذكر إلا أن مقصودك في الأصل الوصول إلى الله فإذا وجدت من يدلك بغض النظر عن نظر الناس إليه ففيه من الخير ما لا يخطر لك على بال..
ما هي صفات الشيخ المربي الذي يدل على الله سبحانه وتعالى؟ يجب أن تقتنع هذا الشيخ يصلح أن يكون مرشدا لي دالا على الله، يقول الإمام الحداد في آداب سلوك المريد عبارة سأقرأها لكم لأنها عبارة نفيسة يقول هناك: [وكن شديد الحرص على طلب شيخ صالح .. مرشد ناصح.. عارف بالشريعة.. سالك للطريقة.. ذائق للحقيقة.. كامل العقل .. واسع الصدر.. حسن السياسة.. عارف بطبقات الناس مميز بين فطرهم وغرائزهم وأحوالهم] ..
* الصلاح.. الاستقامة.. مرشد.. أي أن وصفه الإرشاد عالم عارف بالشريعة” وكن شديد الحرص.. شديد الحرص لأنك محتاج إلى ذلك على طلب أي البحث لا هذه المسألة ليست بسهولة على طلب شيخ صالح فأول صفاته الصلاح والاستقامة مرشد صالح، أي انه صالح في نفسه حريص على إصلاح غيره غير مكتف بصلاحه معرض عن بدل النصيحة والإرشاد للبشر ..
* عارفٍ بالشريعة.. فلا يتأتى أن يدل على الله من هو جاهل بشريعة الله “ما اتخذ الله من وليٍّ جاهل ولو اتخذه لعلمه” قد يكون أمياً ويعلمه الله عز وجل وينبهه إلى سلوك طلب العلم، أقل ما ينبغي ان يكون فيه من معرفة بالشريعة أن يعرف ما يجب أن يعرفه كل مسلم المتعين فرض العين، وأن يعرف من العلم الشرعي ما يتعلق بإرشاد العباد، لابد أن يكون له نصيباً من ذلك فإن كان من العلماء فهو أولى وأولى من المتنفعين في العلم..
* سالك للطريقة.. أي سار إلى الله عز وجل مشى في مراتب التهذيب للنفس جرب ما ستجربه ما سيرشدك إليه، قد يكون هناك إنسان اجتباه الله عز وجل، جذبه إليه جذبة صالحة فما عانى شؤون الطريق، إن لم ينظر بشأن السلوك يَصعُب عليه أن يُعَرّفَ الناس لهذا البعض يظن أنه بمجرد أن يجد شخص مظنـّة ولاية وصلاح في حاله، هذا له من كرامات ومن الأولياء هو الذي سيوصلني إلى الله.. لا!! المسألة دلالة على الله.. شرح لمَسلك الطريق.. فينبغي أن يكون سالكاً للطريقة.
* ذائق للحقيقة.. أي أن ثمار سيره إلى الله بعلم بالشريعة واستقامة وصلاح قد أوصله إلى تَذوُق معاني المعاملة مع الله عزوجل.
* كامل العقل.. بمعنى أنه صاحب تبصر ليس من الطائشين المندفعين، كامل العقل..
* حَسَن السياسة.. أي سياسة النفوس يُحسن مسايسة النفوس البشرية، لا يكون أرعناً، إذا حصلت مشكلة صاح وانتهت المسالة، لا.. يقولون: “سَهـُلَ ترويض السباع ولم يسهل ترويض الطباع، يقولون هكذا..
قال: حسن السياسة عارف بطبقات الناس مميز بين غرائزهم انفعالاتهم، وعاداتهم وفطرهم وأحوالهم، قال هذا الذي هذه أوصافه [فإن ظفرت به فألق بنفسك عليه]، صالح.. ناصح.. عارف بالشريعة.. سالك بالطريقة.. ذائق للحقيقة.. مستقيم على مسلك المتابعة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، عارف بطباع الناس متنبه لسياسة نفوسهم صادق متنور الباطن، إن وجدت من هذه صفاته تغانمه واعكف عليه وامتثل أمره من غير معصية الله فيما يتعلق بالسير إلى الله، كن كالمريض بين يدي الطبيب إذا تعاملت معه، المريض إذا ذهب إلى الطبيب ما يتفلسف كثيرا أمام الطبيب يتأكد فقط أن الطبيب هذا طبيب ماهو طبيب بس معلق لوحة ومعه شهادة .. ماهو شيخ ولحية عمامة ولاغترة وسبحته طويلة والناس خلفه تركض.. لا!! تأكد أنه طبيب ولو تأكدت أنه طبيب كنْ كالمريض مع الطبيب، المريض إن قال له الطبيب عندك مشكلة كذا تحتاج الى الدواء الفلاني ياخذ الدواء ويتعالج..
آداب التعامل مع الشيخ
ويحتاج المريد بصلته بالشيخ الذي يدلُ على الله بعد أن يتأكد من حال هذا الشيخ وصدقه مع الله، يحتاج الى آداب في التعامل، بعض هذه الآداب عامة ينبغي أن يتعامل بها المسلم مع كل حواليه.. منها أن لا يقاطعه في كلامه .. أن لا يسيء إليه في المعاملة، منها أن يتودد إليه، هذه مع الكل.
ثم هناك أخلاق نتعامل بها مع العلماء العاملين مع من يُعلـّم، التلميذ مع المعلم، بقدر ما يكون عند التلميذ من نباهة وذكاء ومطالعة، أيضا ومن أدب وحُسن المعاملة يستفيد.
- أدب تلاميذ الرسول: كان التلاميذ .. أعظم تلاميذ في الوجود عند أعظم أستاذ في الوجود صلى الله عليه وعلى آل بيته وعليهم أجمعين إذا جلسوا بين يديه وكان على رؤسهم الطير، يغضون البصر، إذا تكلم كانوا كلهم آذان صاغية.. غاية في الأدب معه، لا يحدون البصر إليه إمعاناً، نعم لأنه رسول الله لكن أيضاً لأنه معلمهم ومربيهم، لأن الصحابة رأينها منهم ذلك مع بعضهم البعض التلاميذ مع الأساتذة .
- أدب الصحابة مع بعضهم : ابن عباس رضي الله عنهما تتلمذ على زيد بن ثابت رضي الله عنه، كان يجلس على باب زيد لا يدق الباب ينتظر متى يخرج زيد، قال ربما يأتي الريح فيسف التراب عليه حتى يمرّ المار لا يظنه إنسانا يظنه من متاع المنزل من كثرة التراب، فاذا خرج زيد ينظر من هذا فيقول ابن عباس ينفض الغبار عليه ما الذي جاء بك إلى هنا يا ابن عم رسول الله ؟ أدب الصحابه مع آل البيت لا حد يتفلسف يقول الصحابة وآل البيت كيف كانوا .. هذا أدب الصحابة مع آل البيت، فيقول جئت أسألك عن علم رسول الله الذي أخذته، ابن عباس توفي المصطفى وهو في الثانية عشرة من عمره وزيد أخ أكثر من التحصيل العلمي في الرواية، قال هلا أرسلت إليَّ فآتيك؟ أنت ابن عم رسول الله .. يقول العلم يؤتى (الأدب)، لِمَ لـَمْ تقرع عليَّ الباب؟ قال خشيت أن تكون بعض حاجتك مع أهل بيتك فأؤذيك.
- أدب الأستاذ مع التلميذ : يُرى ابن عباس وهو يحمل جنازة زوجة زيد فإذا به يأخذ بزمام دابة زيد أي كأنه من الخدم الذين عند زيد ويفعل زيد عن الراحلة فيأخذ هو بزمام الراحلة يسوقها .. لاحظ ..ابن عباس قـُرَشي وزيد وإن كان في الأصل من الأحرار لكنه كان مولى من الموالي، وكانت في العرب يصعب عليها أن يتواضع السيد القرشي مع المولى المملوك لكنه تأديب رسول الله لنفوس الصحابة كانه مملوك بين يديه، “عن عمار بن أبي عمار أن زيد بن ثابت ركب يوما فأخذ ابن عباس بركابه، فقال له: تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال له: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا فقال زيد: أرني يدك، فأخرج يده، فقبلها فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا” ، هذا معنى من الأدب فيما بينهم البين على هذا الرُقي في المعاملة .. التلميذ مع الأستاذ والأستاذ مع التلميذ ورثَ ذلك مَن بعدهم..
- تسلسل الأدب فيمن بعدهم : حتى رؤي الإمام الشافعي رحمه الله يصف حاله مع شيخه الإمام مالك كان يقول كنت أصفح الورق بين يدي مالك برفق لئلا يسمع وقعها .. و تلميذ الشافعي الربيع قال كنت أستحي أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي أدباً مع الشافعي ..
الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله تلميذ الامام الشافعي كان يجلس مع بعض الكبار محدثي عصره من الأئمة الأكابر فيمر الشافعي من بعيد على بغلته فيقطع المجلس الإمام أحمد ويسارع الى الامام الشافعي ويأخذ بزمام بغلة الشافعي .. وهو أحمد ابن حنبل الشيباني العربي ابن القبيلة يأخذ بزمام دابة الإمام الشافعي ويتذاكر معه في العلم، فلما أوصل الشافعي إلى مقصده وعاد إلى أقرانه تغيضوا عليه قالوا كنا نتذاكر في حديث رسول الله فتركت هذا الامر لتأخذ بزمام البغلة؟ وأنت احمد ابن حنبل؟ قال دعوكم من هذا الكلام إذا أراد أحدكم الفقه فليأخذ بزمام الآخر لهذه البغلة للشافعي.. الأدب الذي كانوا يعيشون عليه .. هذه آداب ينبغي أن نحرص عليها في حسن المعامله ..