فقير الاسكندرية Admin
عدد الرسائل : 310 تاريخ التسجيل : 02/09/2008
| موضوع: سر الكاف المكنون الكبير في قوله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) الثلاثاء سبتمبر 16, 2008 4:05 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الأحد والصلاة والسلام على النبي الفرد وآله وصحبه بلا عدد
أخوتي في الله، ... تولانا وإياهم الله سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
ثم أما بعد... فهذه رسالة لطيفة كتبها الفقير مع أخي في الله أحمد عرفة، حباً في الشيخ الأكبر وإغترافاً من بحر علومه، كتبناها من مقام برزخية شيخنا سيدي العارف بالله رزق السيد عبده الحامدي الشاذلي، سبق لنا وضعها في رباط الفقراء ورأينا أن نضعها في منتداكم الكريم حتى نرى ما يتفضل به أهل المودة من تعليقات قيمة. وإليكم الرسالة المشار إليها:
الله
سر الكاف المكنون الكبير فى قوله تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذى تجلى لكل شئ في كل شىء، وغاب عن كل شيء في كل شيء، والصلاة والسلام على من به خرجت الأشياء من غيب كِن (الأعيان الثابتة) إلى شهادة عالم الوجود، وعلى آله وأصحابه أهل الشهود. ثم أما بعد... قال الله تعالى: ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ فاعلم أن شق هذه الآية قد احتوى على مراتب الوجود كلها وسر إفتتاحها وإختامها وهو قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
ودعنا نبدأ فى الكلام على ذلك:
نحن هنا نتكلم عن الوجود من حيث هو هو وعن تنزلاته إلى المراتب المختلفة للوجود، وكون مفتاح هذا التنزل هو مكنون (الكاف) في قوله: (كمثله).
فهناك ما يلى:
1- إنه فى مرتبة الأحدية فلا ثم قيد ولا اسم ولا صفة ولا إعتبار إلا أنه كل شيء منطوٍ فى غيبها ومع ذلك لا يظهر إلا أحدية الذات الماحقة لما سواها من الاعتبارات. كما أن كل شيء فى هذه المرتبة هو عين الأحدية ولا ثم غير، لذلك كان لكل شيء أحديته الخاصة التي تجعله متفرداً ومختلفاً عن كل شيء آخر.
2- إن مفتاح هذا الطلسم وانفلاق هذه الوحدة الأصلية (أو ما يسمى فتق الرتق) هو الفاتحة، إنها لا توجِد الأشياء ولكنها تعطيها المجال أو الانفتاح اللازم لكى توجَد أو لا توجَد وهذه هى مرتبة (كان الله ولا شيء غيره) أو قد نطلق عليها النور الذي من خلاله وفيه يمكن للأشياء أن تتجلى وتظهر فى عالم الشهادة. وهذا ما يُطلَقُ عليه اسم "الفيض الأقدس" أو التعين الأول للوحدة.
3- أما المرتبة الثالثة فهي ظهور كل شيء (أو ظهور الأشياء و خروجها من ظلمة العدم إلى نور الوجود في الخارج). إن هذا هو "الفيض المقدس" أو تجلي تجلي الوحدة.
وهذه المراتب التي تبدأ بالأحدية ثم الفيض الأقدس والفيض المقدس هي مراتب متعارف عليها بين السادة الصوفية الذين تكلموا في هذا الموضوع وخصوصاً أتباع الشيخ الأكبر قدس الله سره، ولكن نحن هنا نحاول فهم هذه المراتب من خلال قوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
o بناءً على ما سبق فلنأتى إلى قوله تعالى: (ليس كمثله شيء)، ونحن نعلم أنه فى كل "مثل" يوجد نوع من الإختلاف. فمثلاً قولنا زيد مثل عمرو يستلزم بالضروة كون زيد شخص مختلف عن عمرو وإن كان بينهما نوع من المثلية أو التشابه، ولذلك فإن هذا النـص يحـوى الإجتماع والإختلاف معاً أو النفي والإثبات معاً: فمن جهة النفى: فإنه لا مثل له (أو لـ "هو") وهذه هى مرتبة الأحدية. o أما في معرض "إثبات المثل": الواحدية، ففيه كأننا نقول: "ليس يشبه (مثله) شيء". وهذا يعنى نفى المشابهة عن (المِـثل). والآن دعنا نكرس بعض انتباهنا إلى معنىً جديد ألا وهو: سر حرف "الكاف". إن "الكاف" يمكن أن تفسر على أنها للتأكيد مما يعنى نفى المماثلة نفياً تاماً أو يمكن أن تكون للصفة وتأتى بمعنى "مثل" وفى هذه الحالة فإنها تعنى نفي "مثل المثل" ولكن نفي مثل المثل يستدعى اثبات المثل. ومن هنا كان سر "الكاف" أو فاعليتها هو ما يجمع بين النفي والإثبات معاً. أيضاً لا بد من ملاحظة التوافق والتماثل بين "سير" و "سر" حيث أنه أساس "السر" هو "السير" من الغيب إلى الشهادة أو العكس! أيضاً لا بد من ملاحظة أن لفظة "كُن" التى خرجت بها الموجودات من غيب العدم إلى شهادة الوجود ما هى إلا حرفى "الكاف" و"النون"، و"النون" ترمز للكون على إجماله فإنها نصف الدائرة السفلى الذى يتوسطه نقطة السر. واكتمال الدائرة يكون نصفها العلوى يشير إلى الربوبية والسفلى يشير إلى العبودية مؤكداُ قهر الربوبية للعبودية قال تعالى: "وهو القاهر فوق عباده". لذا كان الذى يجمع اسم "الله" بالعالم هو حرف "الكاف" وهو ما يجمع الأحدية والواحدية.
ولكن ما سر "الكاف" الذى هو أيضاَ "سير الكاف"؟
يجب أن يلاحظ أن "الكاف" إذا فسرت على أنها للصفة بمعنى "مثل" فيكون السياق "ليس مثل مثله شيء" ولكن ما هو مثل المثل؟
إن هذا يحتاج لحظة من التأمل: فإنه إذا تصورت أنك أمام مرآة فإنك سترى صورتك أو "مثلك"، ففى هذه الحالة ما هو "مثل المثل" أو ما هذا الذى يبدو مثل هذه الصورة التى هى فى المرآة؟ إنه أنت, هويتك، أو ذاتك. إنها الذات التى تأتى فى مرتبة لاحقة كبرزخ، إنها الذات نفسها التى من خلال تنزلها وتجليها تنقسم إلى الأحدية والواحدية فى حالة كونها لا زالت هى هى!
إننا فى هذه الحالة يمكن أن نفسر "ليس كمثله شيء" بقولنا "ليس مثل مثله شيء" ومثل المثل "هو" أو "الذات" فيمكننا أن نقول "ليس (هو) شيء" ومن هنا يرد علينا قول سيدى محيى الدين فى الفتوحات (الفتوحات المكية - (ج 3 / ص 70) وأيضاً (ج 3 / ص 146) بترقيم المكتبة الشاملة):
"كيف يُعرَف من ليس كمثله شيء فلو كان شيأً لجمعتهما الشيئية فيقع التماثل فيها، إذاً فلا شيئية له: فليس هو شيأً ولا هو لا شيء، فإن "لا شيء" صفة المعدوم فيماثله المعدوم في أنه لا شيء وهو لا يُماثَل فليس مثله شيء وليس مثله لا شيء ومن هو بهذه المثابة كيف يعرف؟!".
ويقول فى موضع آخر (الفتوحات المكية - (ج 4 / ص 211) بترقيم المكتبة الشاملة):قال تعالى: "ليس كمثله شيء" على وجوه كثيرة قد علم الله ما يؤل إليه قول كل متأول في هذه الآية، وأعلاها قولاً: أي ليس في الوجود شيء يماثل الحق أو هو مثل للحق إذا الوجود ليس غير عين الحق فما في الوجود شيء سواه يكون مثلاً له أو خلافاً هذا ما لا يتصور، فإن قلت: فهذه الكثرة المشهودة؟ قلنا: هي نسب أحكام استعدادات الممكنات في عين الوجود الحق، والنسـب ليســت أعياناً ولا أشياء وأنما هي أمور عدمية بالنظر إلى حقائق النسب فإذا لم يكن في الوجود شيء سواه فليس مثله شيء لأنه ليس ثم فأفهم وتحقق ما أشرنا إليه فإن أعيان الممكنات ما أستفادت إلا الوجود، والوجود ليس غير عين الحق لأنه يستحيل أن يكون أمراً زائداً ليس الحق لما يعطيه الدليل الواضح، فما ظهر في الوجود بالوجود إلا الحق، فالوجود الحق وهو واحد، فليس ثم شئ هو له مثل لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان أو متماثلان فالجمع على الحقيقة كما قررناه أن تجمع الوجود عليه فيكون هو عين الوجود وتجمع حكم ما ظهر من العدد والتفرقة على أعيان الممكنات أنها عين استعداداتها، فإذا علمت هذا فقد علمت معنى الجمع وجمع الجمع ووجود الكثرة وألحقت الأمور بأصولها وميزت بين الحقائق وأعطيت كل شئ حكمه كما أعطى الحق كل شئ خلقه فإن لم تفهم الجمع كما ذكرناه فما عندك خبر منه" انتهى
إنَّ ما نريد أن نقوله هو أن سر الوحدة المطلقة وفتق رتقها إلى "سماء" هي الأحدية و"أرض" هي الواحدية هو قوله تعالى: (ليس كمثله شيء) ففي هذه الآية بل نصف الآية إشارة إلى حركة الوحدة الخلاقة المبدعة التي هي من لوازم الإطلاق الذاتي وعدم انحصار "الهو" في تعين ما أو رتبة تقيد إطلاقها. فهذه الحركة تستدعي ظهور المِثل ونفي هذا الظهور معاً من خلال برزخية الكاف. إن المِثل المقصود هنا هو ظهور الأسماء والصفات من العماء الذاتي الأحدي فتظهر الذات لا من حيث إطلاقها بل من حيث يعينها هذا الاسم أو ذاك، كما أن نفي المِثل معناه أن هذا المثل ليس هو خارج عن حقيقة الذات أو مضاد لها، ومن ثم يلتقي هذا القول مع القول المشهور لأهل السنة عن الأسماء والصفات أنها لا هي هو ولا هي غيره ففي قولهم: (لا هي هو) إثبات للمثل، وفي قولهم (لا هي غيره) نفي لكون هذا المِثل غيراً أو نِداً -تعالى الله عن الغير والند والشبيه علواً كبيراً. ومن ثم فالمقصود بظهور المِثل هو تجلي الذات للذات، وفي هذا التجلي تكون الذات هي الناظر والمنظور والبرزخ بينهما. وأقرب مثال يقرب هذه الحالة – ولله المثل الأعلى – هو ظهورك لذاتك في المرآة وهو ظهور لا يستدعي تعدد الذوات أو تكثيرها بل يستلزم ظهور ملامحك وصفاتك وشكلك، فيظهر مثلاً كونك طويل أو قصير وهكذا، ومن ثم فظهور الذات للذات يستلزم ظهور الأسماء والصفات الإلهية من حياة وعلم وقدرة ... الخ. إن هذا التجلي الأول هو فاتحة كتاب الوجود ويعد بالنسبة لكل التجليات الأخرى الأم الكبرى والجامعة العظمى وهو على صعيد الآفاق الكونية مقابل لفاتحة الكتاب أي فاتحة القرآن الكريم.
ولنتدبر معاً الآن بعض ما ورد من معانٍ فى قوله تعالى: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" فنقول:
o المعنى الأول: أن تكون الكاف للتأكيد فيكون معنى قوله تعالى "ليس كمثله شيء" تأكيد نفي المِثل، وهذه مرتبة الأحدية أو الوجود المطلق، وليس فى هذه المرتبة ظهور للأسـماء ولا للصفات ولا للنسب ولا للنعوت.
o المعنى الثاني: أن الكاف في الآية بمعنى (مِثل) والمعنى – ليس مِثل مِثله شيء – ففيه نفي مثل المثل وهذا يتضمن إثبات المثل، وهنا الإشارة إلى حضرة الواحدية لظهور التقييد "المِثل" بظهور الأسماء والصفات - التي ليس مثلها شيء - بالشأن الذاتي، وهذه حضرة الوجود المطلق بشرط التقييد، وهى وحدة فى كثرة وكثرة فى وحدة.
o المعنى الثالث: النظر إلى الكاف بمعنييها فيشمل أحدهما النفى والآخر الإثبات: يشمل أحدها الإطلاق والآخر التقييد وهذه المرتبة هي البرزخ: الوحدة المطلقة الجامعة بين النفي والإثبات، إنها حضرة الوجود المطلق بلا شرط الذى هو الجامع للإطلاق والتقييد مع إعطاء كل ذى حقٍ حقه (أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيط [فصلت/54])، ويظهر فيها الوجود المطلق بشرطيه:
- فيظهر بشرط الإطلاق فى حضرة الأحدية.
- وبشرط التقييد فى حضرة الواحدية.
وبينهما برزخ هو البحر المحيط هو الألوهية هو مجمع البحرين هو الحق ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾ [الحج/6]، [الحج/62]، [لقمان/30].
وهذه الحضرة مطلقة عن الإطلاق والتقييد حال كونها جامعة لهما.
وبذلك شمل شق هذه الآية التى أهديت للأمة المحمدية مراتب الوجود متنزلة فى سر سير البرزخية المكنونة فى حرف "الكاف" والحمد لله وحده والصلاة والسلام على أفضل خلقه وآله وصحبه.
| |
|
فقير الاسكندرية Admin
عدد الرسائل : 310 تاريخ التسجيل : 02/09/2008
| موضوع: رد: سر الكاف المكنون الكبير في قوله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) الثلاثاء سبتمبر 16, 2008 4:13 pm | |
| الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حارت فيه العقول والصلاة والسلام على النبي الرسول وآله وصحبه ما استدار الزمان وتجلت في الفروع الأصول. ثم أما بعد... إخوتي في الله... ونعود بعد لقائنا الجديد المتجدد لاستكمال ما بدأناه سوياً من الكلام على: سر الكاف المكنون الكبير في قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير﴾ [الشورى/11]، وسريان سر هذه الآية في الوجود. إن الآية الشريفة بدأت بقوله تعالى: ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى/11]. إن بداية الآية التي ختامها قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير﴾ [الشورى/11] بدأت بالانفطار ثم زوجية الأنفس الإنسانية (وهي زوجية نشوء حواء من شِق آدم) ثم الزوجية في باقي الموجودات المشار إليها بالأنعام ثم ختمت الآية بالنفي والإثبات السابق الكلام عليها. إنها الوحدة التي تجلت عنها برزخية (الكاف) التي أشرنا إليها آنفاً في مقالتنا الأصلية، فكيف سرى سر هذه الآية في الأشياء كلها؟ إننا قد علمنا أن (الكاف) تشير إلى نفي المثل وإثباته، وهذا يعني ظهور الواحد للواحد في الواحد. إن هذا هو التعين الأول الجامع لكل التعينات وهو فاتحة الفواتح. إن ظهور الواحد للواحد هو في نفس الوقت ظهور الأسماء والصفات والشئون والاقتضاءات، وهي التلبس بصفات الكمال الجامعة لكل من الجمال والجلال. ومن هنا وبعد هذه الفاتحة الأولى تقتضي "الذات" حمد نفسها بنفسها في هذه الحضرة بقوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة/2]، ومن هنا كانت الفاتحة بعينها هي سورة الحمد وهي الصلاة التي تنقسم فيما بعد إلى حقائق الربوبية والعبودية في الفاتحة وبالفاتحة "قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ" – الحديث رواه مالك ومسلم وغيرهما. ومع ذلك فالفاتحة الأولى من حيث هي جامعة هي بذاتها سارية في جميع حقائق الوجود بحيث يكون كل شيء مثل كل شيء حال كون كل شيء ليس كمثله شيء. إن هذا الاتفاق والاختلاف معاً هي أحدية الجمع والفرق التي بها ظهر كل شيء وبها بطن كل شيء، وهي الوحدة المطلقة التي هي البداية وهي عين السير وهي الغاية والنهاية.
أي شيئين حتى لو بينهما تضاد لا بد أن يكون هناك وحدة سابقة تجمعهما وإلا فعند عدم وجود أي علاقة مطلقة بين شيئين ينتفي بينهما حتى التضاد والإختلاف! إنه حتى بعد الإنفلاق أو الإنشطار الذي يُحدِث للوحدة الكثرة - فإنَّ الوحدة السابقة تظل حاضرة ولكن محتجبة، وهي التي تُكَوِّن أحدية جمع العلاقات بين كل شيء وكل شيء. ومن هنا فكل شيء فيه معنى كل شيء بدون أن يكون كل شيء حالاً في كل شيء، بمعنى أن العلاقة بين الأشياء المكونة للكثرة مثل العلاقة بين المرايا المختلفة الطول والعرض ودرجات الوضوح والصفاء وما إلى ذلك بحيث يكون في كل مرآة كل شيء وتكون كل مرآة جامعة لكل شيء، ومن هنا كان كل شيء واحد هو العالم بأجمعه. إن هذا الارتباط هو ارتباط حقيقي في طبيعة الوجود وليس ارتباطاً مجازياً في شهود الرائي أو العارف. إن سر هذا الارتباط في نقطة برزخ البرازخ العظمى الذي هو غيب الأحدية السارية التي بسريانها يتحقق كل شيء متوحداً ومنفرداً بأحديته الخاصة به التي تجعله مختلفاً عن غيره ومتحداً به في نفس الوقت بسر هذه الأحدية التي هي البرزخية العظمى الفاصلة بين الأشياء والمميزة لكل مراتب الوجود بحيث تستمد كل مرتبة من الأباء الكبرى وهي المراتب التي فوقها وتمد الأمهات العظمى التي هي تحتها، فبأحدية جمع هذه المراتب التي هي نقطة غيب الأحدية كما قلنا تمتد رقائق بين كل شيء ومن كل شيء إلى كل شيء وهي رقائق الامداد والاستمداد،
كل شيء فيه معنى كل شيء ولكن كل شيء مختلف عن كل شيء، إن كل شيء فيه رحيق من كل شيء حال كونه مختلف عن كل شيء. وإذا كان كل شيء فيه العالم بأجمعه فلماذا يختلف كل شيء عن كل شيء؟ إذا كان الشيء فيه ظهور كل شيء عن اعتدال وتوازن بحيث يظهر متميزاً عن كل شيء – كان هذا الشيء أقرب إلى حقيقة الجمع من أي شيء آخر. ويمكن اعادة صياغة هذا الكلام بطريقة أخرى: إن كل شيء متعلق بحقيقة هي اسم رب هذا الشيء، ونحن نعلم أن كل اسمٍ واحد هو الأسماء كلها من وجه وإن كان يختلف عنها من وجه آخر، ولكن الاختلاف آتي من جمعية الأسماء كلها بحيث يكون كل اسم هو عين الأسماء الأخر وغيرها في نفس الوقت.
وهناك بعض الأشياء يظهر فيها اسم، والبعض يظهر فيها اسمان على الاعتدال والتوازن، ومن هنا يتأتى الاختلاف بين حقيقة الجمع الأحدي التفصيلي الظاهر في الانسان وحقيقة الجمع الأحدي الاجمالي الظاهر في الأشياء الأخرى. وهو نفس الفرق بين الحقيقة المحمدية العلية على صاحبها أفضل الصلاة وأذكى السلام والحقيقة الآدمية. والفرق بينهما أن الجمع الأحدي المحمدي هو جمع تفصيلي بحيث يظهر كل اسم متميزاً عن الأسماء الأخرى على حقيقته بينما في الجمع الآدمي تندرج الأسماء بطوناً في الحقيقة الآدمية. ومن هنا كان الإنسان متعلقاً بكل شيء في الكون بل كان كل شيء يتعلق ويتصل بكل شيء آخر. والبرزخ بين كل شيء وكل شيء هو حقيقة أحدية الجمع والفرق الظاهرة في كل شيء والباطنة في نفسها. وهذه العلاقات بين كل شيء وكل شيء هي رقائق مُمِدَة أو مستمدة من المدد الوجودي أو المدد الشهودي، بحيث أنه إذا توجه الإنسان بجمعيته إلى حقيقة شيء ما من هذه الأشياء عن طريق الرقيقة المتصلة بينهما بحيث أصبح لا يرى ولا يذكر ولا يحب ولا يتوجه إلا إلى هذا الشيء، فيحدث هنا الفناء في حقيقة هذا الشيء الذي هو عبارة عن إندراج الإنسان واتصاله بهذا الشيء عن طريق الرقيقة البرزخية الواصلة بينهما، أو إن كان هذا الإنسان على قدر كبير من السعة وعظم المقام فيحدث العكس وهو إندراج الشيء واتصاله بالانسان عن طريق الرقيقة البرزخية الجامعة بينهما. ومن الممكن أن نصيغ نتائج هذه المقدمة في القول بأنه إذا توجه السالك بأحدية جمع رقائقه إلى أحد هذه الرقائق بحيث تنمحي جميع الرقائق الأخرى في شهوده فإنه يرى الكون كله يمتلأ بهذه الرقيقة ويرى نفسه قد أصبحت عين هذه الرقيقة نفسها ويتم ذلك بإستدامة ذكر الاسم المتعلق بهذه الرقيقة، واستحضار رؤية الشيخ المصاحب لهذا الذكر بحيث يتم الارتباط بهذه الرقيقة كلياً ويبدأ في الاستمداد من هذه الرقيقة سواءً كان هذا الاستمداد وجودياً أو شهودياً. ومن هنا صح أن يرى السالك شيخه يقظة بعد انتقاله أو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة أو أن يرى في نفسه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسر الاستمداد من رقيقته الذاتية المحمدية ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ﴾[الحجرات/7]. ومن خلال هذه المقدمة نستطيع أن نفهم لقاء النبي صلى الله عليه وسلم مع أرواح الأنبياء في الاسراء والمعراج، وتقابل الأحياء من الأولياء بالأموات منهم أو بأرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وكذلك نستطيع أن نفهم الحوار الوارد في كتاب التجليات الإلهية للشيخ الأكبر الذي كان في حضرة حقية قدسية تلاقت فيها روحه مع أرواح كثير من الأولياء وعرض عليهم فيها الكثير من مسائل التوحيد، وهذه الحضرات هي في الحقيقة عنوان لأحدية جامعة سابقة عليها ومضارعة لها - أي لهذه الحضرات - وكذلك تعود جميع الحضرات إليها وهي حضرة الاسم (الله)، ومن هنا كانت صفة هذه التجليات هي: التجليات الإلهية! | |
|